fbpx

إنسانية محمد (ص)

إنسانية محمد صلى الله عليه وسلم

لقد نشرت تدوينة يوم الجمعة حول كتاب “إنسانية محمد: وجهة نظر مسيحية” للكاتب والباحث الأمريكي كريج كونسيدين والذي من المفترض لهذا الكتاب أن يصدر خلال شهر ماي القادم، وهذا الموضوع (الإنسانية) في الغرب هي العملة التي أصبحت متداولة خلال السنوات الأخيرة وسوف تظل متداولة خلال العقود القادمة، وهذه الرسالة التي سوف أتوجه بها للتونسيين.

فالغرب في ممارساته اليومية اللاشعورية، التي لم تبلغ بعد إلى مرحلة القوانين التحكيمية، أصبح يقيم الأشياء على معيار الإنسانية، دون معيار العلم (التي سيطرت على العقل الغربي خلال القرن التاسع عشر) أو معيار الديمقراطية وحقوق الإنسان (التي سيطرت على العالم بعد الحرب العالمية الأولى) والتي تسمى اليوم بـ”الحداثة”.

فالشعور بمسؤولية الإنسان تجاه محيطه (البيئة) بدأت تشهد انتشارا واسعا خلال العقد الأخير من القرن الماضي (بعد حادثة تشارنوبيل للتسرب النووي سنة 1986)، وفضائح أمريكا تجاه حقوق الإنسان (خلال حرب الخليج وتسرّب صور التعذيب داخل السجون العراقية) التي قادها جوليان آسنج مؤسس موقع ويكيليكس، قد ضربت فلسفة العلم وحقوق الإنسان في المقتل ووجهت لهذه القيم والمبادئ ضربات هزّت كيان الإنسان الغربي.

مع مطلع هذا القرن بدأت تظهر على الإنسان الغربي مواقف ومعاملات تختلف عن المعاملات السابقة، إذ أصبحت المواقف التي تحترم البيئة هي التي تشد انتباه واهتمام الإنسان الغربي، كما أن مرور امرأة حامل في الطريق هي التي تجعل منه يقف احتراما لذلك المشهد، وتقييم الإنسان في الغرب لم يعد على أساس العلم أو الشهائد العلمية، وإنما على اعتبار مواقفه الإنسانية، وهذه قفزة حضارية سوف يكون لها ما بعدها على مستقبل الإنسانية خلال العقود القادمة.

فالإنسان وقيمة الإنسان (الإنسان البيولوجي وليست نظريات حقوق الإنسان) ورأس مال الإنسان هي العملة والمادة التي تحوم حولها البحوث هذه الأيام وسوف تكون مناط التشريع خلال العقود القادمة، ولكن الغرب لم يمر إلى هذه المحطة من الاستثمار في الإنسان، إلا بعد أن مر بمحطة العلم (التكونولوجيا) ثم محطة الحقوق الإنسانية والديمقراطية، وهذا ما يجعله يصل بالضرورة إلى الإنسان (البيولوجي أي المادة التي خلقها الله) في نهاية المطاف.

نحن المسلمون (وسوف أتحدث عن تونس) لم نمر بعد بهذه المحطات (العلم، الديمقراطية، حقوق الإنسان)، حاولنا ولكننا لم نستطع (لأسباب تتعلق بهيمنة الإنسان الغربي نفسه)، وسوف نجد أنفسنا مضطرين (ليس بالضرورة اضطرارا معرفيا وإنما اضطرارا حياتيا كونيا معاملاتيا لا يفصلنا عن بقية الشعوب) للتعايش مع الإنسان الجديد ونحن نحمل معه نفس الخلاصات المعرفية والنظرية المتمثلة في قيمنا الدينية وكل النظريات القرآنية التي نمتلكها منذ 14 قرنا.

بمعنى أننا سوف نظل نتبع (لاهثين) نفس الحلقة التي مر بها الإنسان الغربي من امتلاك العلوم ووسائل التكنولوجيا ثم التحكم بتلك العلوم من أجل بث حقوق الإنسان والديمقراطية، ثم التشكيك في كل تلك النظريات الحقوقية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) والعودة إلى أصل الحياة ومحور الحياة وهو الإنسان والقيم الإنسانية.

أم أننا سوف ننتظر برهة من الزمن (خلال هذا القرن) لكي نلتقي مع الإنسان الغربي (وكل البشرية) حول المثل والقيم الإنسانية العليا التي نمتلكها منذ 14 قرنا والتي لفظتها نخبنا وكنا فيها من الزاهدين؟ بمعنى هل سنعود إلى رشدنا ونتمسك بالنظريات التي عندنا؟ أم سنظل نلهث وراء “الحداثة” المزعومة من أجل الوصول في النهاية إلى نفس النقطة التي انطلقنا منها وهي “إنسانية محمد (ص)”؟

المهدي بن حميدة
في 28 مارس 2020

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات