تحرير الشعوب من العبودية والاستعباد يعود بدرجة كبيرة إلى القائد، والنخب الذين هم في الصف الأول من الريادة، ولصناعة هذا النوع من القادة هناك قوانين وشروط.
سوف أبدأ الفكرة بسؤال: هل سأل أحدكم نفسه لماذا أراد الله ليوسف وموسى (عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام) أن يتربيا في بيت الملك والحكم؟
لقد أراد الله تعالى ليوسف أن ينشأ ويترعرع في بيت العزيز (حاكم مصر) وما تعرفونه من العلم الذي أودعه الله فيه من تأويل الرؤى، وأنه احتاج في حياته إلى الجانب العملي في الحكم وإدارة وزارة المال والخزينة (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ 55)
إذ ما كان ليوسف أن يطلب الحكم لولا امتلاكه للخبرات الكافية والقدرة اللازمة والكفاءة العالية لإدارة هذه الأزمة التي سوف تتعرض لها مصر على مدى 15 عاما (7 + 7 + 1)، ولو كان يوسف في البدو مع والده وإخوته وشاءت الأقدار أن يؤول رؤيا الملك، لأخبره بتفسير الرؤي ثم يذهب لحاله بدون أن يطلب الإمارة والحكم، ولكن طلب يوسف عليه السلام الحكم والوزارة لأنه ترعرع في بيت الحكم والإدارة وأصبحت له الخبرة والقدرة والكفاءة على ذلك.
نفس الشيء مع موسى عليه السلام، لقد اختار الله لحكمة ظهرت فيما بعد، أن ينشأ موسى في بيت فرعون نفسه، وذلك لكي يخلصه الله من عقلية العبودية وينشئه بعيدا عن الذل والعبودية والاستعباد التي كان عليها بنو إسرائيل منذ عقود.
ولما بلغ موسى أشده وبلغ الأربعين سنة وتشكلت نفسه وتمت صياغة عقليته على العز وعلو الهمة والقيادة والملك والحرية والتحرر، كلفه الله عز وجل بقيادة شعبه لتخليصه من العبودية والاستعباد وجعل له وزيرا من القوم الذي يفقه واقع بني إسرائيل ونشأ بينهم وخبر عاداتهم ومعتقداتهم وهو هارون أخوه عليه السلام.
فالقائد الذي يتربى وسط الذل والعبودية والاستبداد محال أن يكون قائدا ومحال أن يحرر شعبه وفاقد الشيء لا يعطيه، هذه حكمة وقانون سياسي وإنساني ساقه الله لنا في القصص القرآني ومن خالفه لا يمكنه أن يحصل على النتيجة المرجوة.
المهدي بن حميدة
في 23 مارس 2020
