fbpx

الإخوانجية والأبيونية من هم؟

الإخوانجية كما سصفهم أعداؤهم أو الإخوان المسلمون كما يصفهم التاريخ

بعد الصدمات المتتالية من الاستعمار العسكري والفكري الذي عم كل بلاد الإسلام والمسلمين، وبعد القضاء على الخلافة العثمانية (الإسلامية) سنة 1924، أصبحت البلاد الإسلامية في فراغ فكري وسياسي وديني، فبدأت الشعوب الإسلامية المغلوب على أمرها تتلمس طريق النجاة في كافة البلدان العربية، فتأسست في مدينة الإسماعيلية في مصر سنة 1928 جماعة أطلقت على نفسها “جماعة الإخوان المسلمين”، ومؤسس هذه الجماعة هو الأستاذ الشهيد حسن البنا رحمه الله (1906-1949).

وهي حركة دينية تصحيحية قامت على مبدإ صلاحية القرآن لكل زمان ومكان، وذلك في عصر تهافتت فيه الأمم على أمة الإسلام من أجل ترويج لفكرة انتهاء مرحلة الدين والتسليم بعلوية العقل البشري على سائر المراجع الدينية، ومنها القرآن، وهو ما قامت عليه أفكار الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي “أوغست كونت” ومدرسته الوضعية الاجتماعية والواقعية، التي تقول بنظرية المراحل الثلاث، وأن البشرية مرت من “المرحلة اللاهوتية” إلى “المرحلة الميتافيزيقية” ثم إلى “المرحلة العلمية”، وأن أوغست كونت يعتبر أن كل مرحلة تقطع مع المرحلة السابقة وتتجاوزها، وقد تأثر بورقيبة في تونس بهذه النظرية وكذلك أمثاله في العالم العربي.

ومن أطلق لفظ “إخوانجية” هو العدو اللدود للإخوان المسلمين وهو جمال عبد الناصر، ثم انتشرت هذه التسمية في صفوف المعارضين لهذه الجماعة تشهيرا بهم وتحقيرا لهم (خصوصا في تونس)، والتي يبطنون من خلالها صفة التدين الرجعي والمتخلف.

قد عرفنا “الإخوانجية” فما هي الأبيونية؟

هي حركة دينية تصحيحية قامت لتناقض نظرية “التثليث” المسيحي التي تقوم على فلسفة الأقانيم الثلاثة (الأب، الابن، الروح القدس) وكان مؤسس نظرية التثليث (La trinité) هو بولس الرسول (Saint-Paul)، ونشر بولس فكرة التثليث في رحلاته التبشيرية انطلاقا من سوريا حتى وصل إلى روما سنة 60م. واستمر احتكاك المسيحية بالفلسفة في الإسكندرية حيث ازدهرت العلوم اليونانية منذ القرن الثالث قبل الميلاد، وانتقلت المسيحية في وقت مبكر إلى الإسكندرية حيث تأسست كنيستها القبطية سنة 42م، وهناك تقررت الأناجيل الأربعة المشهورة التي كُتبت باليونانية.

وكان الدعاة لدين المسيح يعرضون مبادئهم على الناس بلغة اليونان في وقت كانت فيه المذاهب الفلسفية اليونانية تغزو المنطقة، الأمر الذي أدى إلى حدوث صدامات بين دعاة المسيحية وبين حاملي الفكر اليوناني، حيث تعتمد النظريات الفلسفية اليونانية على العقل بينما يقوم الدين المسيحي على الإيمان، فانطلقت قضية شغلت الفكر المسيحي لتحدد طبيعة المسيح، فقام بولس الرسول بالتوفيق بين العقيدة التي بشر بها السيد المسيح والتي تقول بالإله الواحد وبين الأفلاطونية المحدثة التي تقول بضرورة  وجود الوسيط بين الله والعالم، فأنشأ نظرية وفلسفة التثليث.

في مقابل نزعة التثليث المتفلسفة التي ما لبثت أن أصبحت هي العقيدة المسيحية الرسمية، استمرت حركة “النصارى” الذين ناصروا المسيح وأمنوا به، والذين اعتقدوا في بشريته وأنه ابن مريم وروح الله وكلمته، وهذا ما أخبرنا به القرآن وأكدته مرجعيات الغربيين التاريخية. إذ لما أرسل الله تعالى عيسى إلى بني إسرائيل (اليهود) انقسم اليهود إلى ثلاث فئات: فئة اليهود الذين تشبثوا بيهوديتهم، وفئة المسيحيين الذين استمروا في الدعوة لدين المسيح ولكنهم تأثروا بالفلسفات اليونانية وابتكروا نظرية التثليث، وفئة النصارى الذين ناصروا المسيح، قال تعالى (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ كُونُوۤا۟ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ لِلۡحَوَارِیِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِیۤ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِیُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّاۤىِٕفَةࣱ مِّنۢ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰ⁠ۤءِیلَ وَكَفَرَت طَّاۤىِٕفَةࣱۖ فَأَیَّدۡنَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُوا۟ ظَـٰهِرِینَ).

وقد ساهم الأسقف الفيلسوف الإسكندراني (مصر) أوريجان (Origène 185-254 A.J-C) في التوفيق بين الفلسفة اليونانية وعقيدة التثليث في المسيحية، حيث تدعو حركة أوريجان إلى التصور الأفلاطوني للإله المتعالي فقال بالتنزيه المطلق للإله التي تناقض نظرية التثليث التي تبنتها الكنيسة الرسمية.

وفي ذلك المناخ الفكري والفلسفي برز في الكنيسة القبطية أسقف أصله من ليبيا واسمه آريوس (Arius: 256-336 ap. J.-C.)، تأثر أريوس بأفكار أوريجان وأعلن حركته التصحيحية سنة 323 مؤكدا بشرية المسيح عيسى وأن الأب وحده هو الإله ووُصفوا بالموحدين، وقام رجال الكنيسة الرسمية بالتضييق على الموحدين طيلة القرن الثاني والثالث للميلاد، وهم أولئك الذين قال عنهم القرآن بأنهم “نصارى”، قال تعالى (وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةࣰ لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّا نَصَـٰرَىٰۚ ذَ ٰ⁠لِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّیسِینَ وَرُهۡبَانࣰا وَأَنَّهُمۡ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ).

غير أن وصف أعدائهم لهم كان مختلفا حيث كانوا يحقرون من شأنهم ورموهم بلقب تحقيري ووصفوهم “بالأبيونيين” (Ebionistes)، والأبيوني بالعبرية معناه الفقير، والمقصود ليس الفقر المادي بل الفقر الفكري والفلسفي والفراغ النظري.

فالأبيونية هي حركة دينية تقوم على تنزيه الله عن التثليث وتجعل من المسيح عيسى بشرا كسائر البشر وهو روح الله وكلمته، غير أنهم اختلفوا في مأتاه والغالب على الظن أنهم اعتقدوا بأن أباه هو “يوسف النجار” خطيب مريم أم عيسى، وهو ما جاء في إنجيل متى “المحرّف” (l’évangile apocryphe) بحسب وصف الكنسية الرسمية.

إلى أن جاء القرآن الكريم وأخبرنا بحقيقة قصة مولد عيسى وحقيقة اشتباه المسيح عليهم، وانهم ما قتلوه وما صلبوه، كل ذلك حقائق ذكرها القرآن الكريم أول مرة، كما ذكر القرآن حقائق كثيرة أخرى استفاد منها رجال وعلماء عصر الأنوار في أوروبا خلال القرون الخامس والسادس عشر، وعلى رأسها عدم صحة الإنجيل والتوراة وأنها كُتب حُرّفت، وان أحبار يهود كانوا يخفون منها قراطيس ليشتروا بها ثمنا قليلا، قال تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِینَ یَكۡتُمُونَ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَـٰبِ وَیَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنࣰا قَلِیلًا).

ويشترك وصف “الإخوانجية” و”الأبيونية” في صفة التحقير والترذيل والوصف بالرجعية والتخلف الفكري والمعرفي، في وسط هيمنت فيه الفلسفة الغربية واليونانية على القوى العظمى المسيطرة في كلا الحقبتين.

المهدي بن حميدة

لوزان في 18 جوان 2023

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات