fbpx

هويّة الجماعة بالمعمورة

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الأثنين 24 ربيع الثاني 1440 الموافق لـ 31 ديسمبر 2018
  • 0
  • 12119 مشاهدة
جماعة المعمورة سنة 1982

الصورة التقطت بمناسبة عرس الأخ محمد الجميل خلال صائفة سنة 1984 وتضم مجموعة من الإخوة وهم: من اليسار وقوفا أخ من خارج المعمورة، صالح البناي، محمد الجميل، المنصف بن سليمان، زهير مخلوف، مراد بن حميدة، ومن اليسار جلوسا محمد المؤدب، توفيق الشاوش، محمد الفن، توفيق الشاوش الثاني (شيعي) ولطفي الشاوش.

عندما كثر الضغط سنة 1985 و1986 على المسؤولين السياسيين بالبلدة وعلى رأسهم المرحوم رشيد الزياني وكان يشغل منصب رئيس البلدية، في علاقة بالمتدينين أو ما يعرف بالمصطلح البورقيبي “الإخوانجية”، رد عليهم رشيد الزياني في إحدى الجلسات العامة بالزاوية وبحضور والي نابل قائلا:” ليس لدينا إخوانجية بالمعمورة، وإنما عندنا شباب متديّن ومتحمس ينشطون ضمن ملّة قرآنية بالمسجد ونحن نرقب ونشرف على كل نشاطاتهم” وقد صدق رشيد الزياني فيما قال وقتها لماذا؟

لأن “الإخوانجية” الذين يبحث عنهم النظام هم المنضوون تحت مظلة “الاتجاه الإسلامي” وقتها، ولما قال رشيد الزياني ليس في المعمورة من هم من الاتجاه الإسلامي فقد صدق ولم يكذب، لأنه لا يوجد بالمعمورة آنذاك شخص واحد منضو تحت حركة الاتجاه الإسلامي وكل من وجد بالجماعة بالمعمورة هم متدينون ومتعاطفون مع حركة التديّن والاتجاه الإسلامي التي عمت البلاد التونسية من شمالها لجنوبها في تلك الفترة، ولئن وجد من هم منتمون او أعضاء في “حركة الاتجاه الإسلامي” فهم من نشاط الجامعة وليس من نشاط المعمورة.

وأجزم من خلال هذه المذكرات أن “حركة الاتجاه الإسلامي” لا تعرف عضوا واحدا بالمعمورة وضمن نشاط البلدة قبل سنة 1988، ولئن وجد من هم في “حركة الاتجاه الإسلامي” فهو عضو واحد بالجامعة، البقية كلهم منتمون أو متعاطفون والانتماء والتعاطف ليست له أي صفة قانونية أو حزبية.

هذا وقد أشرف على الملة القرآنية بالمسجد (التي تعتبر النشاط المسجدي الوحيد للجماعة) وبتوصيات من السّلط المحلية (معتمدية، بلدية) كل من المؤدب الكيلاني وعبد الحميد الصيد (رئيس جمعية المحافظة على القرآن الكريم بعد أن استقال منها محمد بن قويدر سنة 1984) لتفسير النصيب من القرآن الذي نحفظه، ولكن عبد الحميد الصيد لم يثابر طويلا وبقي الكيلاني مدة ثم انسحب لكثرة مشاغله بين الفلاحة والكتّاب.

أما محتوى الكتب والأدبيات التي كنا نطلع عليها ضمن “أسر” ليلية هي حفظ لأحاديث وآيات من كتاب الله، وكتب تربوية وحركية عديدة أهمّها:

  • كتاب روح الدين الإسلامي لعفيف عبد الفتاح طبارة
  • كتب سعيد حوى: الأساس في العقيدة، الأساس في السنة، تربيتنا الرّوحية، جند الله تخطيطاً، جند الله تنظيما…
  • كتب فتحي يكن: ماذا يعني انتمائي للإسلام، التربية الوقائية في الإسلام، كيف ندعو إلى الإسلام، أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي، الاستيعاب في حياة الدعوة والداعية، العالم الإسلامي والمكائد الدولية خلال القرن الرابع عشر هجري، المتساقطون على طريق الدعوة كيف ولماذا، قوارب النجاة في حياة الدعاة، مشكلات الدّعوة والدّاعية…
  • كتب أبي الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، الإسلام أثره في الحضارة وفضله على الإنسانية

ثم في مرحلة متقدمة وبصفة مشخّصة ومدروسة بحسب نضج الشخص وقابليته الفكرية نتناول كتب:

  • الشهيد سيد قطب: تفسير في ظلال القرآن، معالم في الطريق، المستقبل لهذا الدين، هذا الدين، مقومات التصور الإسلامي، خصائص التصور الإسلامي، معركة الاسلام والرأسمالية، العدالة الاجتماعية في الإسلام، خصائص التصوير الفني في القرآن
  • كتب أبي الأعلى المودودي: نظرية الإسلام السياسية، الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية، الحضارة الإسلامية (أصولها ومبادئها)

الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر: اقتصادنا، فلسفتنا.

التشيّع بالمعمورة

انطلقت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران سنة 1981 أي سنتان بعد الثورة الإسلامية في إيران التي كانت مصدر إلهام لكل ما هو إسلامي ثائر، فقد كان تعاطفنا مع الثورة في إيران ليس من باب الانتصار لولاية الفقيه[1] وإنما تضامنا مع روح الثورة في الانعتاق والتحرر ومقاومة التغريب والهيمنة الغربية عموما والأمريكية والروسية خصوصا.

وبرغم أصوات المعارضة من قبل بعض الإخوة، أساسا الأخ صالح البناي الذي كان يقرأ كتابات الخميني الطائفية في تعرّضه للصحابة وللسيدة عائشة، فإن موجة من الإقبال على الكتابات الفكرية والفلسفية لبعض مفكري الشيعة أمثال العراقيان هادي وأخوه محمد تقي المدرسي وغيرهما من مبدعي الفكر، إذ كانت كتاباتهم قفزة في مجال نقد الفكر الغربي والنهوض بالفكر الإسلامي المعاصر.

إذ انحصرت مطالعاتنا للشيعة في مجال الفكر، ولم أقرأ شخصيا كتابا واحدا في المذهب الشيعي أو معتقدات الشيعة، حتى هذيانهم في القدح في الصحابة لم أشأ الاطلاع عليه، سوى ما يصلني من خلال مناقشاتي مع بعض الإخوة، وذلك بهدف الاستفادة والاقتصار على الجانب الفكري والفلسفي عند بعض مفكري الشيعة بعيدا عن العقيدة والمذهبية والطائفية، وكنا نتسابق إلى المعرض الدولي للكتاب بالعاصمة في اليوم الأول من افتتاحه[2] لإخفاء الكتب الصادرة عن هادي المدرسي ثم نعود في الغد ومع ابتداء المعرض فتحه للعموم فنجري إلى الجناح المخصص لتلك الكتب لنفنيها عن آخرها باقتنائها جميعها.

ومع ذلك وبرغم حرصنا على عدم الخوض في معتقدات الشيعة فقد تسلل إلى المعمورة أحد الطلبة الشيعة (أصيل القيروان) وتشيع على يده بعض الإخوة الذين لا يتجاوز عددهم الثلاثة، ولم نعرف بعد تلك الحقبة من التشيع أن ظهرت بوادر امتداد ذلك المذهب الطائفي، ووقف الأمر عند ذينك الأخوين أو الثلاثة.

ومن الكتب التي كنا نقتنيها ونقرأها للأخوين:

  • هادي المدرّسي:
    • نقد النظرية الماركسية
    • هذا الدين للقرن الواحد والعشرين
    • الصراع والتحدي في حياة الرّسالي
  • ومحمد تقي المدرّسي:
    • المجتمع الإسلامي منطلقاته وأهدافه
    • المرأة في المجتمع الإسلامي

حزب التحرير[3]

عرف هذا الحزب عنصرين أو ثلاثة بالانتماء له فكرا وتحزبا وبقي ذلك منحصرا في تلك المجموعة من بينهم الأخ بوعلام الذي كان قريبا من الجماعة بالمعمورة وكثير الاحتكاك بالإخوة يساهم معنا في بعض الأنشطة الثقافية والمسجدية وملتزما بالملّة القرآنية، ويسهر معنا سهراتنا ويلازمنا جلساتنا وحلقات نقاشنا أمام المسجد، إذ لم نكن نختلف معه سوى في بعض الأفكار السياسية التي تتعلق أساسا بالخلافة وبعض محطات التاريخ الإسلامي.

ولم يعرف حزب التحرير نشاطا علنيا بالمعمورة قط، وذلك بحكم حضره من قبل نظام بورقيبة وبن علي، سوى توزيع بعض مناشيره خارج المسجد وخاصة خلال حرب الخليج الثانية سنة 1991 بحرب أمريكا على العراق.

جماعة التبليغ والدعوة[4]

لم يكن لجماعة التبليغ بالمعمورة وجود سوى بعض “الخرجات” التي تصل إلى مسجد المعمورة من قبل مجموعات تابعة لجهات خارج البلدة، فيقضون كما هو معروف ومعتاد لديهم بعض الوقت في الجامع، وأذكر أن طلبوا من الوالد (إمام الجامع) أن يبيتوا بالمسجد مرة في أواسط الثمانينيات فأذن لهم وبعد ذلك تحرش بهم جنود السلطة بالوشاية لأسيادهم فمنعوهم، وبقوا كعادتهم يمرون على البلدة مرة كل ستة أشهر تقريبا يجوبون شوارعها ويدعون الناس للصلاة، وصادف أن لبس لباسهم أحد شباب المعمورة وانتمى إلى جماعتهم بنابل ولكن لم يكن له أي احتكاك بالجماعة ثم ما لبث أن فارقهم وعاد إلى حياته الطبيعية والمعتادة.

الفكر السلفي

لم يكن للفكر السلفي وجود في نسخته العلمية الأصيلة خلال الحقبة ما قبل انتشار الفضائيات في أواسط وأواخر التسعينيات من القرن الماضي، ولم تكن إصداراتهم لتصل إلى تونس أو المعمورة وبذلك لم يعرف الفكر السلفي بمفهومه الوهابي[5] انتشارا في صفوف شباب البلدة إلا في الألفينيات من هذا القرن وذلك من خلال انتشار الفضائيات.

فضلا عن الفكر الجهادي الذي بدأ يتبلور أثناء الحرب الأفغانية، إذ كان للعربية السعودية أسبابا إقليمية ودولية وأيديولوجية في جزء منها، جعل منها الداعم الأول للمجاهدين الأفغان في حربهم لمقاومة الغزو الروسي لأفغانستان سنة 1979، فالتصق الفكر السلفي بالجهاد (الشرعي والمشروع) من تلك الحرب التي دامت عشر سنين بعد أن انسحب منها الروس منهزمين شر هزيمة سنة 1989.

ولم تعرف المعمورة متطوعا واحدا للجهاد في أفغانستان، وإنما كنا كجماعة نتعاطف مع الأفغان في حربهم ومقاومتهم للدب الروسي المحتل لعدالة قضيتهم، وكانت الحرب الأفغانية تمثل بطولات في التضحية والجهاد والاستبسال في مقاومة المحتل.

ثم بعد انتهاء تلك الحرب وتعطل الآلة القتالية المشروعة، تكونت النزعة الجهادية بمفهومها وممارساتها المنحرفة عن الدّين من خلال ضربات 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية، والتي ذهب ضحيتها 2973 ضحية من المدنيين، على يد منظرها وزعيمها أسامة بن لادن وخليفته من بعده أيمن الظواهري.

 مقتطف من كتاب “صفحة من مذكراتي” – المهدي بن حميدة
في 27 رمضان 1438 هـ
الموافق لـ22 جوان 2017


[1]   نظرية في الفقه الشيعي الاثنى عشري جاء بها مرشد الثورة في إيران الإمام الخميني تتمثل في أن ينوب الولي الفقيه عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإدارة شؤونها والقيام بمهام الحكومة الاسلامية

[2]   كنا نتسلل للمعرض مع الوفود الرسمية في اليوم الأول من افتتاحه الذي لم يكن مسموحا فيه بالبيع

[3]  تأسس حزب التحرير في القدس مطلع عام 1953 على يد القاضي تقي الدين النبهاني وهو من مواليد 1914 بفلسطين، بعد تأثره بحال العالم الإسلامي إثر سقوط الخلافة الإسلامية العثمانية في إسطنبول عام 1924.

[4]  هي جماعة إسلامية تأسست بالهند سنة 1926 على يد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي، خصصت نفسها للدعوة والزهد في الدنيا، ويعتمد أسلوبها على التأثير الروحاني لحث الناس على الصلاة والذهاب للمسجد.

[5]   نسبة إلى محمد بن عبد الوهّاب (1703م – 1791م) وهو عالم سني على المذهب الحنبلي انتشر على يديه الفكر الوهابي بعد أن تحالف مع آل سعود بجهة نجد من الجزيرة العربية، والذي يقوم أساسا على مقاومة البدع.

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات