fbpx

المعطى الديمغرافي والثقافي الوافد على سويسرا تأثير اللاجئين التونسيين والسوريين

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الثلاثاء 26 ربيع الأول 1440 الموافق لـ 4 ديسمبر 2018
  • 0
  • 1252 مشاهدة

لقد مثل اللاجئون الوافدون إلى سويسرا معطا ديمغرافيا وثقافيا وسياسيا مهما منذ تفتيت الاتحاد السوفياتي واندلاع حرب البلقان (البوسنة) بشرق أوروبا، حيث شهدت سويسرا منذ 1980 موجات كبيرة من اللاجئين على إثر مطالبة دول أوروبا الشرقية باستقلالها.

حيث بلغ الوافدون (بسبب الحروب أو الهجرة) من ألبانيا (أوروبا الشرقية) 220 ألف ومن كوسوفو 150 ألف ومن البوسنة وسائر بلدان البلقان 70 ألف مهاجر\لاجئ، ساهموا كلهم في تغيير المعطى الديمغرافي بعد أن انخرطوا في النسيج الاقتصادي السويسري، إذ مع حلول سنة 1990 بلغت نسبة الأجانب في سويسرا 18,1% (1 245 432) 20% منهم من الأتراك ودول يوغسلافيا السابقة (البلقان).

ولئن غاب المعطى الديني والثقافي عن هذه الشريحة من الوافدين الجدد، وهم القادمون من بلدان المعسكر الشيوعي الذي عمل لعقود على مسخ وفسخ المرجعية الدينية لدى هؤلاء (المسلمين منهم بالخصوص)، وذلك لعدة اعتبارات سياسية تتعلق بالهوية الثقافية والدينية لهؤلاء اللاجئين اللذين دخلوا إلى سويسرا والذي لا يمثل المعطى الديني بالنسبة إليهم عاملا مهما في اندماجهم في المجتمع الجديد والقوانين الجديدة للبلد المضيف.

فمع دخول العقد الأخير من القرن الماضي وبعد انهيار أركان الدولة في الصومال نتيجة الحرب الأهلية سنة 1990-1992، تغيرت المعطيات حول طبيعة اللاجئين الوافدين إلى سويسرا حيث مثل اللاجئون الصوماليون نسبة لا يستهان بها من الوافدين المسلمين الجدد بعد لاجئي البوسنة والهرسك. 

اللاجئون التونسيون والمعطى المؤسساتي

وبحلول سنة 1992 وفدت إلى سويسرا، ولأول مرة في التاريخ الحديث، أجيال جديدة (تتراوح أعمارهم بين 20-40 سنة) من اللاجئين العرب وهم التونسيون، الذين فروا من بطش الديكتاتورية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ليطلبوا اللجوء السياسي، بأحجام مهمة بلغت 1100 لاجئ خلال الفترة الممتدة من 1992 إلى 2010، وهو عدد ضخم مقارنة بطبيعة المجتمع التونسي وغياب أي نوع من الحروب الطائفية\الدينية أو السياسية التي تؤدي بمثل هذا العدد المهم من التونسيين لمغادرة بلادهم لأسباب سياسية.

أعداد اللاجئين التونسيين بين 1992-2010
400 طالبي اللجوء الأصليين
390 اللذين التحقوا بعائلاتهم
310 اللذين ولدوا في سويسرا
1100 المجموع

باستقرار قرابة 300 عائلة تونسية في سويسرا من مجموع 400 لاجئ أصلي (دون احتساب الزوجات والأطفال)، ثم ابتداء من سنة 1997 (وبعد مجزرة سجن أبو سليم عام 1996) التحق عدد لا يستهان به من اللاجئين السياسيين الليبيين (90% منهم أكاديميون وأصحاب شهائد عليا) الذين فروا من بطش القذافي، بدأت تدخل قضايا جديدة في اهتمام الإعلام المحلي والوطني السويسري مثل القضية الحقوقية التونسية (التعذيب، الاعتقال، حرية التعبير،…) ومشاغل السويسريين المتعلقة بالاندماج ومخاوف السويسريين من الدين (الإسلام)، خصوصا بعد حادثة الأقصر بمصر في 17 نوفمبر 1997 التي ذهب ضحيتها 36 سائح سويسري إلى جانب أعداد أخرى من جنسيات مختلفة.

ومع وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001 بنيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، ازداد تهافت السويسريين إلى التعرف على الإسلام ومجموعات الإسلام السياسي والجهادي، وبلغ اقتناء الكتب ومشاهدة البرامج التلفزية المتعلقة بالدين الإسلامي نسبة لم تحدث في تاريخ أوروبا الحديث.

لقد نشط اللاجئون التونسيون ضمن هيئات دعوية إسلامية وحقوقية للتعريف بمبادئ الدين الإسلامي (الحقيقي) وساهموا، بفضل تجربتهم السياسية والإعلامية والحقوقية، في تخفيف الضغط الإعلامي على المجموعات والتنظيمات الدعوية التي تحترم قوانين البلد وتلتزم بمبادئ الإسلام في التعامل مع البلد المضيف والتي تساهم في تنشيط دورته الاقتصادية وتحترم عاداته ونواميسه الاجتماعية تمثلا بمبادئ الإسلام وأخلاق نبي الإسلام مع أصحاب الديانات الأخرى خصوصا عندما يكونوا أهل ضيافة وعنصر دعم للقضايا العادلة ونشر السلم في العالم.

لقد مثلت هذه الأعداد المهمة من اللاجئين التونسيين، من الطلبة بالخصوص، معطا مهما في تنشيط مجالات الجالية المسلمة المستقرة في سويسرا منذ عقود، وعملت هذه النوعية من اللاجئين التونسيين (الطلبة النقابيين الإسلاميين) إلى جانب الليبيين (الإخوان المسلمين) والصوماليين (السلفيين العلميين) وبعض الجزائريين (الأكاديميين)، على إعادة هيكلة التنظيمات الدينية (المراكز الإسلامية) في عديد الكانتونات (الدوائر المحلية والمحافظات) في سويسرا وأحدث اللاجئون التونسيون ثورة في الخطاب والمصطلحات الإسلامية في سويسرا، وأدخلوا إصلاحات هيكلية جوهرية على العمل الدعوي والمؤسساتي الموجود، كما أحدثوا هياكل ومؤسسات وجمعيات جديدة في مجالات عدة (إعلامية وحقوقية ودعوية وإغاثية وشبابية) وأعطوا دفعا للجمعيات الفلسطينية الداعمة للقضية الفلسطينية في مجال الإغاثة والإعلام والحقوق الدولية.

ولقد ساهم اللاجئون التونسيون (إلى جانب مقيمين مستقرين من قبل من مختلف الجنسيات) في بعث وتنشيط رابطة مسلمي سويسرا سنة 1993، وبعث وإنشاء عديد الجمعيات الحقوقية أهمها جمعية الحقيقة والعمل (Vérité-Action) سنة 1997 والتي تُعنى بحقوق الإنسان في تونس، وجمعية الإغاثة الإنسانية (Secours Humanitaire Suisse) التي تُعنى بدعم القضية الفلسطينية في جانبها الإنساني والإغاثي، كما ساهموا في بعث وفتح العديد من المراكز الإسلامية العربية، بعد أن كانت منحصرة على مركزان اثنان بجنيف ومركز بلوزان، اصبحت بحلول سنة 2010 أزيد من 25 مركز (للناطقين بالعربية) موزعة على كامل التراب والمحافظات السويسرية، كما بعثوا مدارس خاصة تُعنى بتدريس اللغة العربية والثقافة الأصلية لأبناء الجالية المسلمة خلال أيام الراحة المدرسية (الأربعاء والسبت).

وببلوغ عدد المسلمين في سويسرا 350 ألف (4,375% من مجموع عدد السكان البالغ 8 ملايين ساكن سنة 2000) بدأت تدخل تشريعات جديدة تتعلق بالأقليات الدينية في سويسرا لم يكن السويسريون يتوقعون أن تصبح مثل هذه القضايا مشاغلهم اليومية ومجال عمل أحزابهم السياسية، مثل البرامج الدينية في المدارس السويسرية، والمسابح والأنشطة الترفيهية المدرسية والحجاب ولحوم الأضاحي والأعياد الدينية وغيرها من القضايا التي أصبحت مجالات للنشاط التشريعي لدى العديد من الكانتونات، والتجاذب الإعلامي والسياسي لدى العديد من السياسيين والإعلاميين والأحزاب.

فأُدخلت تشريعات في بعض المحافظات (كانتون فو-لوزان مثلا) تتعلق بتدريس تاريخ كل الأديان (اليهودية والمسيحية والإسلام والبوذية) لدى أطفال المدارس عوضا عن الاكتفاء بالإشارة إلى الدين المسيحي في كثير من المناسبات الدينية، كما سُمح للمسلمين بالاحتفال بأعيادهم الدينية ضمن عطل خاصة بهم واحترام هويتهم الدينية في مجال التغذية (الأكل الحلال) والأنشطة الثقافية والترفيهية، وأصدرت المحاكم السويسرية أحكاما تسمح لفتيات المدارس والطالبات بدخول المؤسسات التربوية العمومية بغطاء الرأس (الحجاب) في حين مُنعت المدرسات المسلمات من التدريس مع لبس الحجاب.

كل ذلك كان بفضل الانخراط الحيوي في مجالات عديدة مثل اتحادات المراكز الإسلامية (اتحاد الجمعيات الإسلامية بكل من كانتون فو وجنيف ونوشاتيل وفريبورغ) وهيئات حوار الأديان (مثل هيئة l’Arzilier بلوزان)، وذلك بكسب تعاطف رجال الكنائس المسيحية (الكاثوليك والبروتستانت) واليهودية وحشدهم إلى جانب قضايا المسلمين المتعلقة بحرية الدين والمعتقد، ولقد كان اللاجئون التونسيون من رجال ونساء الصف الأول ممن انخرطوا في هذه العمل الذي يتطلب إتقانا للغة البلد من جهة ومستويات علمية ومهنية وخبرة في مجال العمل المؤسساتي من جهة أخرى، تفضي إلى هذا النوع العالي من التنسيق بين مختلف مكونات الفضاء السياسي والإعلامي والجمعياتي للمجتمع السويسري.

اللاجئون السوريون والمعطى الثقافي

في 17 ديسمبر 2010 وباشتعال نار الثورة في تونس انطلقت موجة عارمة من الاحتجاجات الشعبية، على الحيف الاجتماعي والفساد السياسي لحزب بن علي وعائلته الحاكمة، من محافظة سيدي بوزيد وانتقلت إلى العاصمة ثم تعممت على كامل أرجاء البلاد، تُوّجت هذه الانتفاضة الشعبية بهروب الطاغية بن علي في 14 جانفي 2011، تنفس العرب على إثرها نسائم الحرية وحب الحياة وسرت فيهم مقولة الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي

إذا الشعب يوما أراد الحياة                فلابد أن يستجيب القدر

لم تمض 11 يوما على نجاح الثورة في تونس حتى انطلقت يوم الثلاثاء 25 جانفي 2011 في مصر مجموعة من التحركات الشعبية ذات الطابع الاجتماعي والسياسي أودت في 11 فيفري 2011 بتنحي حسني مبارك عن حكم البلاد وهو الذي عُرف باشتراكه مع بن علي في الفساد السياسي وقمع شريحة كبيرة من المجتمع عبر حرمانها من التنظّم وومارسة النشاط السياسي وحرية التعبير.

سرت نار الثورة في الجسم العربي كله، ففي 27 جانفي 2011 خرج المتظاهرون في اليمن للتنديد بالبطالة والفساد الحكومي وعدد من التعديلات الدستورية وتحقيق الديمقراطية، ثم تحولت في 11 فيفري (يوم تنحي مبارك) إلى المطالبة بإسقاط منظومة حكم الرئيس علي عبد الله صالح، وفي 25 فيفري 2012 انتهى حكم علي عبد الله صالح رسميا وبقيت البلاد رهينة توازنات دولية أعاقت الثورة في اليمن على تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي المطلوبين لنجاح الثورة في البلد.

ثم انتقلت في 17 فيفري 2011 الاحتجاجات إلى القطر الليبي على شكل انتفاضة شعبية أودت بسقوط نظام القذافي ومقتل الأخير في 20 أكتوبر من نفس السنة، ثم تحولت البلاد بعد ذلك إلى حقل من الاقتتال الداخلي (حرب أهلية) بعد أن أصبحت لغة السلاح هي الحكم بين كل الفصائل المتصارعة على الحكم.

على إثر نجاح ثورتيْ تونس ومصر وبعدهما ليبيا واليمن في الإطاحة برؤوس أنظمة تلك الدول، انطلقت في 29 جانفي 2011 موجة من الاحتجاجات الشعبية والعفوية السلمية في دمشق والمناطق المهمشة من سورية، تطالب بالحرية والكرامة والانعتاق ووضع حد للقمع والفساد والدكتاتورية واحتكار السلطة لحزب الرئيس بشار الأسد وطائفته.

في يوم الجمعة 18 مارس 2011 كانت الانطلاقة الحقيقية للثورة السورية تحت شعار “جمعة الكرامة”، فنظمت مظاهرات في مدن درعا ودمشق وحمص وبانياس قابلها الأمن بوحشية فسقط أربعة قتلى على أيدي قوات الأمن السوري في تلك المدينة، وتحولت المظاهرات طوال باقي الأيام ثم الأسابيع ثم الشهور إلى أحداث دامية.

قمع نظام الرئيس بشار الأسد المظاهرات السلمية بالسلاح عبر تنظيمات “الشبيحة” (مليشيا البوليس السري)، فسقط مئات الآلاف من الضحايا، وتشرد الملايين نزوحا في الداخل السوري ولجوء في مختلف بقاع العالم، وتحولت سوريا إلى أزمة دولية وساحة للصراع بين القوى الإقليمية والدولية.

وأحصى «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي يستند إلى شبكة واسعة من المصادر في سوريا، سقوط 353.935 قتيل منذ 15 مارس 2011، بينهم أكثر من 106.390 مدني وفي عدادهم 19.811 طفل و513.12 امرأة، وفي هذا البلد الذي كان يقطنه نحو 23 مليون نسمة قبل الثورة، اضطر نحو نصف السكان إلى مغادرة منازلهم بينهم 6,6 مليون نزحوا داخل البلاد و5,4 مليون نزحوا خارج البلاد وتشردوا في كافة بلدان العالم.

استقبلت سويسرا منهم حوالي 18 ألف لاجئ توزعوا على كامل التراب السويسري بحسب العرف المعمول به في سويسرا من توزيع متكافئ للاجئين (أيا كانوا) بين مختلف الكانتونات (المحافظات) وعدم تجميعهم ضمن ملاجئ أو تجمعات عرقية أو لغوية (ghettos)، وذلك للحفاظ على التوازن الديمغرافي واللغوي والتنوع الثقافي والديني الذي تتميز به سويسرا من بين مختلف دول العالم، فهو بلد وشعب متعدد الأعراف والثقافات له أربع لغات رسمية ويحكمه نظام سياسي فدرالي مكون من 62 كانتون.

وجد هؤلاء الوافدون السوريون شبكة من المحاضن الرسمية لإيوائهم كلاجئي حرب أهلية، كما قررت السلطات الفدرالية بناء وتخصيص محاضن جديدة لاستيعاب تلك الكميات الكبيرة من اللاجئين السوريين الذين لا يتكلمون أي لغة من اللغات الرسمية للبلد وهي الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانية.

والتحدي المطروح على هؤلاء اللاجئين السوريين، على عكس اللاجئين التونسيين الذين يتقنون اللغة الفرنسية، خلال المدى الزمني القريب والمتوسط هو تعلم لغة من اللغات الرسمية للبلد (إلى جانب اللغة العربية الأم والإنجليزية التي تعلموها في بلادهم) ثم التأقلم مع الأعراف الثقافية والمواطنية الذي يتميز بها السويسريون على سائر دول أوروبا (الديمقراطية المباشرة، النظافة، الجد والإتقان في العمل، غلاء المعيشة،…) لكي تمكنهم القوانين في هذا البلد لتدارك ما افتقدوه من مواصلة تلقي دراستهم والعيش بسلام كباقي شعوب الأرض.

كما أن الإضافة التي يمكن للسوريين إن يضيفوها على سويسرا هو إتقانهم لمهنهم وتفانيهم في خدمة منتوجهم (الحلويات الشرقية مثلا) ثم إضفاء بعد روحاني على الإسلام الذي استقر في هذا البلد الأوروبي والذي نقلته شعوب أخرى عرفت بجفائها وخلوها من أي إبداع (الأتراك ومسلمو البوسنة).

كما أن للسوريين لمسات ثقافية وإبداعات فنية (فرق موسيقية) يمكن أن تكون عنصر إضافة لكافة الجالية المسلمة من مختلف الجنسيات والأعراق، وهو ما قد يجلب اهتمام السويسريين ويحببهم في الإسلام أكثر مما عرفوه عن الإسلام من الصراعات والحروب.

فالشعب السوري، كما الشعب التونسي، شعب عريق في الحضارة والإبداع له من التجارب الحضارية والمعارف الإنسانية والخبرات المهنية والملكات الاجتماعية في الفكاهة وسهولة التعامل البشري ما يمكن أن يضيفه لأوروبا عموما والشعب السويسري خصوصا، وهو ما نحتاجه في هذه الأيام بعد أن طغت على الإسلام تشوهات وتسميات لا علاقة لها بالإسلام كالإرهاب الجهادي والتشدد الفقهي، والذي لا يداويه إلا الفن والإبداع والوسطية والاعتدال، وهي من أهم مميزات وخصال الشعب السوري الأبي.

المهدي بن حميدة
لوزان في 4 ديسمبر 2018

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات