fbpx

من نخبة المجتمع إلى مجتمع النخبة

قيس سعيد بجامع عقبة

مثقفي الشعب

لقد ساهمت النخبة خلال القرون 19 و20 في “توجيه الشعب” من أجل تثقيفه وتعليمه ورفع كابوس الجهل والخرافة التي كانت تهيمن عليه، فعمل إصلاحيو القرن 19 على تثبيت “عيّنات” من المؤسسات التربوية والتعليمية (جامع الزيتونة، المكتبة الأحمدية، المدرسة الحربية بباردو، المدرسة الصادقية، المطبعة الرسمية) ساهمت في وضع أسس المجتمع المدني في البلاد، ثم مع تجربة “عهد الأمان” ودستور 1859 دخلت البلاد مرحلة من “تحديث الدولة” وعصرنة دواليب الحكم في الأيالة التونسية.

ثم ساهمت النخب الفكرية والسياسية خلال القرن الـ20 في توسيع وتعميم المؤسسات “العيّنة” -إن صح التعبير- فانتشر التعليم الزيتوني والمؤسسات التربوية والتعليمية الفرنكو-عربية في كامل تراب البلاد بإنشاء فروع لجامع الزيتونة في باقي المدن التونسية وولايات شرق الجزائر.

ثم عملت الحركة الوطنية على أيدي النخب الفكرية والسياسية على ترسيخ وتثبيت المؤسسات المدنية والثقافية والنقابية والسياسية والإعلامية، وبإنشاء الدولة\الجمهورية ساعد ذلك على نشر وتوسيع المؤسسات التربوية والتعليمية والصحية في المجتمع مما أعطى للشعب التونسي صبغة مدنية ربما جعلته في طليعة المجتمعات العربية.

شعب المثقفين

خلال القرن الـ21 وبارتفاع نسبة المتحصلين على شهادات عليا التي بلغت الـ35,5% من أصل المسجيل بالتعليم الأساسي العمومي ومع تسجيل نسبة البطالة في صفوف خريجي التعليم العالي بـ32%، انقلب هرم المجتمع وأصبحت النخبة موجَّهة من المجتمع، وانتقلت رقعة التأثير من نخبة المجتمع إلى مجتمع النخبة، ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) خلال انتفاضة الحوض المنجمي (2008) وما بعدها أصبح للمجتمع قوله الفصل في معادلة الصراع وثبت ذلك خلال ثورة 17 ديسمبر 2010 – 14 جانفي 2011.

ولقد أبدى الشعب التونسي خلال محطات عدة وعيا راقيا وفهما عميقا للأزمات الحقيقية التي تعصف بالبلاد فلم ينجر وراء دعاوى التحريض خلال أزمة 2013، كما أبدى نضجا في اختياراته الانتخابية عندما عاقب طرفا في 2014 وأقصى أطرافا في انتخابات 2019.

وباختياره لرئيس الدولة قيس سعيد في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، برغم الحملات الإعلامية التي تحركت لدعم المرشح نبيل القروي، إلا أن ذلك لم يخترق الوعي السياسي والمسؤولية والنضج اللذان تحلى بهما الشعب التونسي خلال هذه الاستحقاقات الانتخابية.

فنحن اليوم في تونس نعيش منعرجا تاريخيا وانقلابات هرميا في التأثر والتأثير، وأصبح للشعب التونسي قوله وكلمته في القرار، وما على النخبة الا اتباع رغبات وتطلعات الناخب/المواطن الذي كان بالأمس القريب يُقاد كما تُقاد الأضحية إلى حتفها.

المهدي بن حميدة
في 23 أكتوبر 2019

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات