fbpx

لماذا يتكرّر تغيير رئيس الحكومة في تونس بسرعة؟

  • سهيل الغنوشي الكاتب: سهيل الغنوشي
  • الخميس 25 ذو القعدة 1441 الموافق لـ 16 يوليو 2020
  • 0
  • 617 مشاهدة
رؤساء الحكومات التونسية من 2012 إلى 2020

وسيظلّ يتكرّر بسرعة، دعك من نكتة الفساد، التي صدفت هذه المرّة. ولو أبرم الفخفاخ صفقة لاستمرّ في منصبه، وقد يعوّضه من هو أفسد منه، بتزكية من رموز الفساد، والسفارات والمافيات..

الجواب: لأنّ المعادلة تخالف قانونا أساسيّا اسمه التناسب بين المسؤولية والصلاحيات. Responsibility without Authority. وكلّ من يفهم في القيادة والإدارة، يعلم أنّ تلك الوضعية جحيم Hell ومهمّة مستحيلة.

فرئيس الحكومة هو الشخصيّة السياسية الأولى في تونس. وهذا لا يتحقّق إلاّ برئيس حزب يفوز في الإنتخابات، فيتولّى رئاسة الحكومة بصورة آليّة: لا تعيين من الرّئيس ولا مشاورات. ويكون مدعوما بأغلبية برلمانية إمّا من حزبه، أو ائتلافية، لكن على برنامج. فيمضي في تطبيق البرنامج، وتقوم المعارضة بدورها.

لأسباب، لا تخفى عن الكثيرين، لم يتحقّق هذا السيناريو أبدا منذ قيام الثورة. فلا أحد من رؤساء الحكومات الذين تولّوا بعد الثورة جاء بهذه الطريقة. كلّهم جاؤوا بالتعيين، ولم يكونوا رؤساء في أحزابهم: لا الجبالي ولا العريض ولا جمعة ولا الصيد ولا الشاهد ولا الجملي ولا الفخفاخ ولا الذين سيأتون بعده، ولن يعمّروا.

بعد تكليفه بالتعيين، يجد رئيس الحكومة نفسه في وضع متناقض ومهمّة مستحيلة: أمام الشعب هو المسؤول الأوّل، لكن في الواقع يتحكّم فيه رئيس الدّولة أو رئيس الحزب أو رؤساء الأحزاب الذين عيّنوه وأتوا به. والذين يحاولون دوما أن يأتوا بشخص مطيع. طالما يسمع الكلام يستمرّ في منصبه، كرئيس حكومة بالوكالة (ماريونات).. لكن المنصب والمسؤولية يضغطون عليه باتّجاه ممارسة صلاحيات رئيس الحكومة.. وأوّل ما يحاول أن يمارس صلاحيّاته أو يرفض أمرا أو يرفض دور الكومبارس/الماريونات، تبدأ عمليّة تنحيته وتغييره.

فنحن لدينا نظام هجين لا يمكن أن ينجح أو تعمّر فيه حكومة.. فأيّ رئيس الدّولة يأتي، بحكم التقاليد والإنتخاب المباشر من الشعب، يميل للتصرّف كأنّه في نظام رئاسي.. ورئيس الحكومة بحكم الدّستور يميل للتصرّف كأنّه في نظام برلماني.. ورؤساء الأحزاب الذين لم يتمكّن أحدهم من تولّي رئاسة الحكومة، يميلون للتصرّف كأنّهم في نظام محاصصة طائفي (مثل لبنان)، يدار من قبل رؤساء الأحزاب لا من قبل مؤسسات الدّولة.

يعني 4 سنوات من الشلل السياسي وتغيير الحكومات والدّوران في حلقة مفرغة، وهذا أمر لا يزعج الحكّام الفعليّين للبلاد، بل هذا هو المطلوب بالضبط في ظلّ حكم السفارات والمافيات: استقرار هشّ في ظلّ الوصاية، وشعب منغمس في متابعة خزعبلات المشهد العبثي، يعلّق وينبّر، يائسا أو يمنّي النفس بمعجزة، وكلّ ما يبدو من صراعات وصفقات ومقايضات وعنتريّات، لا يتجاوز حدود ما تسمح به التعليمات والضوء الأخضر من الحكّام الفعليّين.

التشخيص والحلّ والعلاج في مكان آخر، بعيدا عن هذا العبث والثرثرة والتهريج.

سهيل الغنوشي
في 16 جويلية 2020