fbpx

حقائق تاريخية صادمة ذكرها الشيخ عبد العزيز الثعالبي بعد خروجه من تونس، وانه اضطرته الحاجة وخذلان رفاقه في الحزب للبقاء 24 عاما في المنفى

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الأحد 19 جمادى الأولى 1442 الموافق لـ 3 يناير 2021
  • 0
  • 1514 مشاهدة
قادة الحزب الحر الدستوري التونسي كاملة

في هذه الرسالة التي كتبها الشيخ عبد العزيز الثعالبي، من مهجره ومنفاه اليمن في 11 أكتوبر 1924، إلى صديقه محمد المنصف المستيري، يشكو له خذلان أصحابه ورفاق دربه له عندما خرج من تونس إلى القاهرة، وأنه خرج كما يعلم الجميع تحت تأثير وبأمر من سلطات الاحتلال، وتحت ضغط المقيم العام لوسيان سان، بعد أن تدخل هذا الأخير ليفرج عنه في ماي 1921 بعد محاكمته وسجنه في جويلية 1920.

ويقول الثعالبي في هذه الرسالة أنه خرج من تونس يوم 26 جوان 1923 متوجها إلى القاهرة بشكل مؤقت ومعه القليل من المال، وأنه طلب من أصحابه ورفاقه في الحزب أن يرسلوا له المال وأن يتكفلوا بعائلته في تونس، التي أصبحت معدومة ليس لها من ينفق عليها، فخذلوه بعد أن ساوفوه وماطلوه.

فاضطر للاقتراض من القاهرة (100 ليرة) والتنقل إلى فلسطين ومن ثمة إلى الحجاز ثم اليمن ثم الهند، وانتهى به المطاف سنة 1925 إلى بغداد حيث شغل محاضرا بجامعة آل البيت (التي أسسها الملك فيصل بن الحسين سنة 1922)، حيث مكث بها إلى سنة 1930 بعد أن أغلق الإنجليز الجامعة، فانتقل إلى القاهرة مرتحلا تارة ومستقرا بها تارة أخرى. وفي كل مرة يعزم للعودة إلى تونس وتعده فرنسا بالترخيص له بالعودة إلا وتتراجع عن وعدها في آخر لحظة، إلى أن تكرمت له سلطة الاحتلال بالسماح (عندما أصبح الظرف مناسبا لفرنسا بعد التمكين لعملائها بمسك زمام الأمور بالبلاد) وعاد إلى بلده تونس سنة 1937. ومن ذلك التاريخ بدأت محنته الكبرى مع بني جلدته، التي انتهت بمرضه وشلله النصفي حتى الموت، في غرة أكتوبر 1944، مغبونا مقهورا مغدورا معزولا ومشلولا، فكانت 24 سنة (1920-1944) من النفي.

وإليكم مقدمة الرسالة (التي ذكر فيها حقائق تاريخية صادمة حول رفاقه في الحزب) بعد أن صححها وحققها المرحوم حمادي الساحلي سنة 1996، ونشرها المرحوم الحبيب اللمسي سنة 1997 في كتاب عنوانه “الرحلة اليمنية”:

عدن يوم السبت 11 أكتوبر 1924

ابني النابغ وصديقي الكامل سيدي محمد المنصف المستيري[1] أعزه الله وأكرمه، السلام عليك وعلى آلك وكل من شمله ناديك[2].

وبعد، فقد وافتني رسالتك العزيزة المؤرخة في 30 محرم الحرام فاتح شهور سنة 1343 (الموافق لـ 31 أوت 1924)، وما أشدّ سروري لما قرأتها ولمحت توقيعك لإثر انقطاعك المديد عني. ومن شأني أن أُسَرّ بتلقي أنباء وطني وأعلم علم قومي. فأشكرك على هذه العناية بقلمي وبلساني، ومن واجبي أن أشكرك لأنني قد صرت بينكم نِسيا منْسيّا، ولم تعد لكم بي حاجة تحملكم على مراسلتي، اللهم إلا من كان منكم يودني من أعماق قلبه، ولا أمر للتصنّع في وداده لي، وبالرغم من كثرة من كنت أعدّهم من الأصدقاء المخلصين وأحسبهم من الأبناء البررة، فقد كفت سنة واحدة أمضيها في الخارج لتلاشي وانحلال كل صلة كانت تربطني بهم فرادى وجموعا. والآن يخيّل إلي أنه لم يبق على ولائي أحد منهم سواك، هذا إن سلمتُ من عثر الدهر ومنافسة الأيام فيك، وإلا فلا أمل يبقى ولا رجاء.

قلتَ في كتابك إنك تريد أن تبثّ إليّ ما تجده في صفوفكم من الفراغ الذي تركتُه بعدي، فبسطتَ من حديث السيد صالح فرحات[3] وعمله في باريس وتونس ما اسودت به الدنيا في وجهي. حقا أيها الصديق كنتُ أعتقد جزما يوم أخرج من تونس أنني سأترك فراغا لن يسدّ بعدي، والناس يعتقدون في كل مملكة حللتُها أنني يوم أخرج منها أيضا أترك فيها هذا الفراغ. فهم يألمون كما تألم أنت أيضا، ولكن هناك فرق عظيم بين الفراغ الذي أتركه في تونس – وأنا مبدع حركتها- والفراغ الذي أتركه في فلسطين أو الحجاز أو اليمن، ولم تكن لي فيها سوى شخصية بارزة وأقوال مأثورة في وسطهم، أن يكتفوا عني بصورتي وأن يسمعوا أقوالي من كل مكان، لم يكن وجودي في تونس مثل وجودي في غيرها، فقد كنت أنمي الحركة وأغذّيها بروحي وأسيرها بيديّ وأدفع عنها بحجاجي، ولا يوجد أحد يتجرّأ أمامي على التنقيص من قيمتها أو يسعى في تعطيلها أو يتنكب عنها ما لم يعرّض نفسه إلى مقت الشعب وغضبه، كما حصل لذلك الرهط المعروف[4] ومن إليه من النكرات والأحداث (الجدد) والمستأجرين. فبالرغم مما كان لديهم من حول وطول، كانوا يتهموننا ويرموننا بكل نقيصة ويغرون بنا أصحاب القوة، وقد خُيّل مرارا لبعض البسطاء والقاصرين منا أن القارعة يوشك أن تحل بنا وترى المنهزمين ينفضّون من حولنا ويفرّون إلى حيث … توهمهم أحلامهم القاصرة أنها مواطن السلامة … فكان يكفي أن أقضي على ترّهاتهم ومكايدهم وكل ما به يمترون بعد اجتماعين أو ثلاثة في دار الحزب وأقول كلمة تبتلع كل ما يقولون ويعلمون ويأفكون.

والسبب في ذلك أنني لا أقول إلا ما توحي إلي به نفسي وما أعتقده حقا، لا متأثرا بإرهاب ولا واجلا من قوة ولا مؤملا ثوابا ولا منتظرا مكافئة. وعندما أنصور حالة ليس في المستطاع الإعراب عنها، فما تكلمت قطا وأنا أعتقد في نفسي انني رجل عادي يتكلم بلسان الناس، بل إنه لينبت في روحي أنني أمر والسامعون يأتمرون بأقوالي. وفوق ذلك أظنكم تعلمون أنني كنت صادقا مخلصا ما تطرق الهواء قط لفكري أو عملي، فأنا أنا منذ نشأت إلى اليوم ما وضعت يدي أبدا في يد حكومة ولا واليت ظالما ولا أيدت حاكما مستبدا، بل نشأت وعشت شابا وكهلا ها انا على أبواب الشيخوخة[5] قريع الاستعمار وعدوه المبين. فبهذا وأمثاله كنت اغذي الحركة التونسية وأنميها وأربيها وأنتقي لها الصيد الصناديد من حمَلة الهمم الكبيرة والنفوس المتمردة يسيرون معي في الطريق ويرفعون الأثقال التي ينوء بها ظهري، فقلت ذلك وانا في تونس، واليوم من لها بعدي؟ …

نعم تركت قادة من خيرة من عرف الناس، لهم سلطان على الأفكار والعقول، ولمنهم لم يستطيعوا النفوذ إلى أعماق الضمير العمومي وهو مل ما ينبغي لهم وما هو بالشيء القليل، لو كان لهم هذا النفوذ لما شذ عنهم صالح فرحات ولا سلك مسلك المنتهزين وهو سائر في سبيل الشهرة ومرشح لزعامة الأحرار الدستوريين، ولما وهن الشعب بالإرهاب ولا استكان للقوة وهو متطلع للاستقلال والحرية.

نعم؟ كان يجب ان أبقى في تونس وأستمر على الجهاد والتضحية حتى تدرك ساعة النصر وتُحَرّر (تونس) على الفور. ولكن لماذا خرجت؟ لم أخرج أشِرا ولا بطرا، بل خرجت مضطرا، وكلكم تعلمون ذلك. ام تريد أن أكاشفك بالسر المخجل؟ وانا آنف أن يخطه قلمي. لكن تدوين واجب لرجل مثلي حياته اليوم ليست له بل هي للأجيال والتاريخ. إن تونس التي كنت انفق عليها من مواهبي وأغذيها من روحي تركتني على أسوء ما يكون من حالات الاضطرار، وأظهرت عجزها التام عن تغذية جسمي. فخرجت ألتمس الرزق في غيرها، بعد أن آليت أنني سأواسيها بما عودتُها به من الأغذية الروحية، وقد فعلت وما فترت عنها أبدا.

رجوتكم أن تصلوني بمساعدة تقيني العوَزَ والاحتياج في هذه الرحلة الطويلة العريضة بعد أن نفد كل ما كان بيدي، فوعدتم وبالغتم في التنويه بالوعد وألجأتموني لانتظار الوفاء أن أقضي أشهرا بمصر زادتني ثقلا على ثقل حتى وهنت، فخرجت هائما على وجهي في الآفاق دون أن تفوا لي بوعد. وعدتموني أن تفلوا عائلتي من بعدي، وما كفالتها عليكم بالعسير، ولكن الرسائل الواردة منها في شهري أوت وسبتمبر دلتني على أن حظها لم يكن أحسن من حظي، بل كلنا معكم على حد سواء، هداكم الله ووفقكم.

عفوا يا صديقي إذ طغى القلم بالشكوى منكم فلا يضير والشكوى إليكم.

سافرت من مصر إلى فلسطين، فمكثت بها 47 يوما دونت فيها أجمل صفحة بيضاء لتونس وأسمعتُ فيها العالم أنين التونسيين. وكل ما تحدثت به إليها عنكم وما قالته صحفها عنا ردّدتْه صحف أمريكا والهند ونقلت أهمّه الشركات الإخبارية الإنجليزية إلى العالم. وقد انفقت من جيبي في هذه السياحة 25 ليرة حسب الوصولات التي بيدي، وفي المآدب والاحتفالات والزينات.

وأنفقت في الحجاز والسفر من جدة إلى عدن 18 ليرة ولو لم أكن ضيفا على الطاغية حسين[6] لاستغرقت نفقاتي 50 ليرة. وصلت إلى عدن يوم 2 اوت فأقمت بنزل أوروبا 11 يوما في كل يوم 12 روبية، وكان يومئذ صرف الليرة 15 روبية، فأعطيت للأوتيل (النزل) 9 ليرات عدى ثلاث ريالات، وبلغت نفقاتي الأخرى بين مصاريف النزول والتفتيش والتأشير على الباسبورات (جوازات السفر) نحو الثلاث ليرات.

سافرت إلى اليمن مساء يوم الأربعاء 14 أوت وعدت منه إلى عدن صبيحة يوم الإثنين 6 أكتوبر، وقد بلغ ما أنفقته فيه من جيبي نحو 20 ليرة، وأما ما أنفقَتْه عليّ الحكومة فلن أستطيع تقديره. ومن هذه الأرقام تجدون أنني أنفقت من جيبي في هذه الرحلة نحو 75 ليرة أي نحو 7.500 فرنك صرفتها من قرض عقدته في القاهرة بمائة ليرة، أضف إلى مصاريفي 10 ليرات أرسلتها للعائلة وقد كتبت تستجديني أرسلتها لها من عدن لتسدّد بها ديونها التي اقترضتها في شهرَيْ أوت وسبتمبر. وقصارى القول، إنني سأخرج من عدن وأنا لا أملك من الدنيا بعد المصاريف اللازمة وأجرة الركوب غير 4 أو 5 جنيهات.

هذا والمصيبة الكبرى والداهية الدهماء أن الوجاهة والشهرة تتبعانني إلى كل جهة أتوجّه إليها، وفي كل مكان يتوهّمون أنّني زعيم وأن بيدي أموالا طائلة، خصوصا في اليمن، فبعضهم يقول عني أمير، والبعض الآخر سلطان، وما إلى ذلك من النعوت الحمقاء الباعثة على الطمع الأجوف.

فكان طُلاّب صِلاتي في كل بلد نزلته أضعاف عدد الأيام التي أمضيها في بلادهم. فكنت أولا أعطي القاصد منهم عددا من الريالات، ولما كثر الطالبون شقّ عليّ الأمر وصعب ردّ الطّلاّب خصوصا العلماء والأشراف وأرباب الوجاهة، وعندهم الطلب من الأمراء جائز غير محظور. فكنت لا أعطي أكثر من ريالين، وكان الآخذون يتناولون هذه العطية السخيفة بكل فرح وسرور، وهو دليل واضح على انتشار الفقر والفاقة في اليمن، وهي من أغنى بلاد الله.

أمضيت اليوم بالباسبور (جواز السفر) في قلم الجوازات إلى الهند وخليج فارس والبحرين ونجد والعراق. وقابلت مدير الأمور السياسية مقابلة طويلة استغرقت ساعتين، وقد وجدته عالما بأطواري وأسرار حياتي السياسية ومقدّرا لذاتي وشهرتي، وبالرغم من كل ما يعلمه عني، فقد أجاز لي أن أسافر إلى كل مكان، بينما فرنسا تمنعني من المرور من سوريا إلى العراق…!

كتبتُ إلى العائلة كلمة موجزة عن الرحلة ولا أظنها تمكنكم من الاطلاع عليها، كما كتبت أيضا كلمة للشيخ صالح بن يحيى[7] وكلمة للسيد محمد بن عمار[8]، وأرجأت التفصيل إلى كتاب أحرره لك أو إلى محيي الدين (القليبي)[9]. ولما سبق كتابك كتابه بعثت بخلاصتها إليك لتقرأها – إن رأيتَ في قراءتها فائدة- على إخواننا الدستوريين في نادي الحزب.

من كتاب “الرحلة اليمينية” للشيخ الثعالبي
صححه وحققه المرحوم حمادي الساحلي، تونس في 15 أكتوبر 1996
ونشره بمطبعة دار الغرب الإسلامي، المرحوم الحبيب اللمسي سنة 1997
.


[1]  محمد المنصف المستيري من مواليد مدينة تونس في 6 أوت 1901 وهو ابن الشيخ حمودة المستيري أحد مؤسسي الحزب الحر الدستوري التونسي الذي انبعث في سنة 1920، وقد ناضل محمد المنصف المستيري في صفوف هذا الحزب – الذي أصبح يعرف بعد مؤتمر قصر هلال في 2 مارس 1934 بالحزب الدستوري القديم أو اللجنة التنفيذية- إلى أن انحل من تلقاء نفسه في مطلع الستينيات واضطلاع الحزب الدستوري الجديد (الديوان السياسي) بمهام الحكم بمفرده. وتميز محمد المنصف المستيري بنشاطه الصحفي حيث أسس جريدة الإرادة التي أصبحت ناطقة بلسان الحزب الدستوري القديم وتولى رئاسة تحريرها منذ صدورها في 8 جانفي 1934 إلى احتجابها في 18 مارس 1955. كما تولى فيما بعد رئاسة تحرير جريدة “الاستقلال” التي أصدرها الحزب من 30 سبتمبر 1955 إلى 22 أفريل 1960 وانقطع بعد ذلك عن أي نشاط سياسي إلى أن توفي في 29 جانفي 1971.

[2] في إشارة إلى نادي الحزب الحر الدستوري التونسي الذي أسسه الثعالبي سنة 1920 مع رفاقه أمثال محيي الدين القليبي وأحمد توفيق المدني وأحمد الصافي وأحمد السقا وعلي كاهيه وحمودة المنستيري والحبيب زويتن وغيرهم.

[3] صالح فرحات (1894-1979) أحد قادة الحزب الحر الدستوري القديم، انتُخب كاتبا عاما مساعدا لهذا الحزب منذ تأسيسه سنة 1920، ثم أصبح كاتبا عاما إثر وفاة الزعيم أمج الصافي سنة 1935. وانتُخب رئيسا للجنة التنفيذية أثناء المؤتمر قبل الأخير الذي عقده الحزب الدستوري القديم يومي 16 و17 أفريل 1955. وتقلد قبل ذلك مهام وزير العدل في الحكومة التونسية من أول جانفي إلى 15 ناي 1943 في عهد الملك الوطني محمد المنصف باي. وعُرف المرحوم صالح فرحات بمساهمته في تحرير الصحف الوطنية الناطقة باللغة الفرنسية لمقاومة الاستعمار والدفاع عن قضية بلاده إلى غاية 1956. ويبدو من خلال رسالة الشيخ عبد العزيز الثعالبي، مؤسس الحزب، أنه يعيب على رفيقه في الكفاح اتخاذ هذين الموقفين:

  • فقد نشر صالح فرحات بمساهمته في تحرير جريدة “تونس الاشتراكية” (الناطقة بالفرنسية) فصلا بتاريخ 3 أوت 1923، أعلن فيه أن الثعالبي لم يكن الممثل الوحيد للحزب، وبالتالي فإن خروجه من تونس لن يؤثر أبدا في نشاط الحزب.
  • ومن ناحية أخرى، سافر صالح فرحات إلى باريس إثر نجاح الكتلة اليسارية في انتخابات ماي 1924، وأعلن عن ثقته التامة في الحكومة الفرنسية الجديدة التي يرأسها Édouard Herriot.

[4] يشير الثعالبي إلى الأستاذ حسن قلاتي (1880-1966) وهو من كبار المحامين في تونس وأحد أعضاء حركة الشباب التونسي، وقد انفصل عن الحزب الدستوري في سنة 1921 مع مجموعة من أنصاره وأسّس الحزب الإصلاحي الذي أيّد الإصلاحات الهزيلة التي منحها المقيم العام لوسيان سان ورفضها الحزب الدستوري رفضا باتا. كما أصدر حسن قلاتي جريدة ناطقة باسم الإصلاحيين تحمل اسم “البرهان” للدفاع عن وجهة نظر حزبهم. وقد شنّ الحزب الدستوري حملة شعواء على الإصلاحيين مما أدى إلى مقاطعة الشعب لجريدتهم البرهان الذي انتهى بها الأمر إلى الاحتجاب نهائيا في 19 ديسمبر 1922. وإثر فشل حسن قلاتي في انتخابات المجلس الكبير (le grand conseil) سنة 1928، اعتزل النشاط السياسي وتفرّغ للمحاماة إلى أن أدركته المنية يوم 27 نوفمبر 1966.

[5]  هنا بالغ الثعالبي في الوصف لأنه وهو يكتب هذه الرسالة سنة 1924 كان عمره 48 سنة وهو المولود سنة 1876.

[6] حسين بن علي (1856-1936) تقلد خطة شريف مكة حلفا لأبيه، تحت سلطة الخلافة العثمانية. وفي سنة 1916أعلن الثورة العربية الكبرى بالتعاون مع الحكومة البريطانية التي وعدته بتأسيس دولة عربية متحدة تحت سلطته، إثر انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الأولى. وفي انتظار الوفاء بهذا الوعد نادى بنفسه ملكا على الحجاز. وإثر انتهاء الحرب أخلف الحلفاء وعدهم ولم يمدّوا يد المساعدة إلى الشريف حسين لمّا هجم عبد العزيز ابن سعود سلطان نجد على الحجاز وأُرغم شريف مكة على الالتجاء إلى جزيرة قبرص حيث أقام بها سنة 1924 إلى سنة 1930، وتوفي بعمّان سنة 1931 ودُفن بالمسجد الأقصى في القدس.

[7] الشيخ صالح بن يحيى من الجزائر، مناضل من الرعيل الأول ومن المقرّبين للشيخ عبد العزيز الثعالبي. انضمّ إلى الحزب الحر الدستوري التونسي منذ تأسيسه وناضل في صفوفه إلى جانب إخوته من بني ميزاب إبراهيم اطفيش (1888-1965) ومحمد الثميني (1897- 1970) وإبراهيم بن الحاج عيسى (1888- 1973) المعروف بأبي اليقضان، وكلهم من شيوخ الإباضية بوادي ميزاب بالجزائر. وكان الشيخ صالح بن يحيى يمثل داخل الحزب الدستوري الشق المطالب بالاستقلال.

[8] محمد بن عمار مناضل من الرعيل الأول ومن أشدّ الدستوريين تعلقا بالشيخ عبد العزيز الثعالبي، وقد التحق بجوار ربه سنة 1947. وهو غير محمد بن عمار مؤسس الترجي الرياضي التونسي الذي توفي سنة 1972.

[9] محيي الدين القليبي (1899-1954) أحد قادة الحزب الحر الدستوري التونسي القديم ومن أنشط المناضلين الدستوريين، انضك إلى الحزب منذ 1920 وتولى إدارته إثر هجرة الثعالبي إلى الشرق سنة 1923. وتميّز بنشاطه الحثيث في الميدان الصحفي حيث سخّر قلمه للتشهير بالسياسة الاستعمارية والدفاع عن القضية التونسية ومقاومة خصوم الحزب الدستوري من التونسيين والأجانب. وفي سنة 1947 تحوّل إلى القاهرة لتمثيل حزبه في مكتب المغرب العربي والدفاع عن المطالب التونسية، ثم رجع إلى تونس سنة 1949 لاستئناف نشاطه السياسي والثقافي. ورجع مرة ثانية إلى القاهرة سنة 1952 ثم توجّه إلى فلسطين للمشاركة في المؤتمر الإسلامي الثاني بالقدس (المؤتمر الأول كان سنة 1931 وشارك في إعداده الثعالبي) وأقام فترة من الزمن بفلسطين مسخّرا جهوده للدفاع عن القضية الفلسطينية. وأخيرا استقر به المقام في دمشق إلى أن أدركته المنية يوم الأول من ديسمبر 1954، رحمهم الله جميعا، عاشوا أبطالا شامخين كالجبال لم ينحنوا لأي عاصفة داخلية أو خارجية، لم يساوموا ولم يتاجروا بدماء إخوانهم من أجل السلطة والشهرة وعرض من الدنيا.

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات