fbpx

انهيار الإمبراطورية العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • السبت 18 جمادى الأولى 1442 الموافق لـ 2 يناير 2021
  • 0
  • 999 مشاهدة

تفكيك الإمبراطورية العثمانية

كانت الإمبراطورية العثمانية قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918) تضم كافة البلاد العربية الآسيوية التي تنقسم إلى قسمين:

أ‌. قسم الولايات العربية التي كانت تعتبر جزءا لا يتجزّأ من الدولة التركية ويحكمها ولاة عثمانيون من المدن الكبرى مثل البصرة وبغداد والموصل وحلب ودمشق وبيروت والقدس. ويضم هذا القسم كلا من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن.

ب‌. قسم المناطق العربية التي تتمتع بشبه حكم ذاتي وهي الحجاز واليمن والكويت والإحساء وعسير.

وكانت السياسة التركية المتبعة في الولايات العربية متسمة بالشدة ومقاومة الروح القومية العربية. فأخذ النفور يتفاقم بين الأتراك والعرب، وكانت الدول الكبرى الحريصة على تفكيك الإمبراطورية العثمانية تسعى إلى خلق مزيد من هذا النفور، وتراقب باعتمام آثاره ونتائجه.

والجدير بالتذكير في هذا الصدد، أن انهيار الإمبراطورية العثمانية قد بدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر. فقد أبرم أمير الكويت الشيخ مبارك الصباح معاهدة مع أنجلترا سنة 1899 أصبح بمقتضاها تحت الحماية الإنجليزية وانفصل عمليا عن الإمبراطورية التركية. كما استولى سلطان نجد عبد العزيز آل سعود على منطقة الإحساء[1] عاصمة آل الرشيد الموالين للدولة التركية، وأصبح يسعى إلى احتلال الحجاز وعسير، ليحقق وحدة الجزيرة العربية.

ومن ناحية أخرى، تمكنت بريطانيا من فرض حمايتها على البحرين وقطر وعُمان، بالإضافة إلى عدن التي احتلتها سنة 1839. ولم تكتف بذلك بل أجبرت تركيا على الاعتراف بالحماية الإنجليزية مع تسع إمارات عربية صغيرة تقع في جنوب الجزيرة العربية، واهمها سلطنة لحج. كما بادر شريق مكة منذ اندلاع الحرب إلى أجراء اتصالات سرية مع الحكومة البريطانية لضبط شروط انضمام البلدان العربية إلى الحلفاء[2]. ولم يبق مواليا اسميا للحكومة التركية إلا الإمام يحيى، عاهل اليمن.

الثورة العربية الكبرى

بدأت المفاوضات السرية بين الشريف حسين وممثلي الحكومة البريطانية منذ سنة 1915، عن طريق الرسائل المتبادلة مع المندوب السامي الإنجليزي بالقاهرة Henry McMahon. وقد اقترح شريف مكة انضمام العرب إلى الحلفاء وإعلان الثورة على الأتراك، مقابل اعتراف بريطانيا باستقلال البلدان العربية الآسيوية بعد انتصار الحلفاء. وقد أسفرت المفاوضات عن الاتفاق على المبادئ التالية:

  • تتعهد بريطانيا بأن تساعد على قيام دولة عربية أو اتحاد دول عربية في شبه الجزيرة العربية والعراق والشام، باستثناء عدن.
  • تقدم للدولة العربية كل م تحتاج إليه من مساعدة.
  • تتعهد بأن لا تمس من مصالح حليفتها فرنسا في المناطق الساحلية بشمال سوريا ولبنان.
  • تضمن الأماكن المقدسة الإسلامية ضد أي اعتداء خارجي.

وعلى هذا الأساس، أعلن الشريف حسين يوم 10 جوان 1916 عن اندلاع الثورة العربية على الأتراك وانضمام العرب إلى الحلفاء. ثم أعلن نفسه ملكا على البلاد العربية، ولكن الحلفاء لم يعترفوا به ملكا على الحجاز.

وتولى الأمير فيصل بن الحسين[3] قيادة الجيش العربي، وانفصل معظم الجنود والضباط العرب عن الجيش التركي، وانضموا إلى الجيش العربي الذي بدأ بتحرير الحجاز من الحكم التركي[4]، ثم زحف نحو الشمال والتحق بالجناح الأيمن لجيوش الحلفاء. والجدير بالملاحظة في هذا المضمار أن شعوب المغرب العربي ومصر لم تشارك في هذه الثورة وظلت متعاطفة مع تركيا طوال مدة الحرب.

وقد كان لاشتراك العرب في الحرب تأثير كبير في انتصار الحلفاء في الشرق الأوسط، وانهزام الجيوش التركية والألمانية، وتحرير معظم البلدان العربية الآسيوية. وقد دخل الأمير فيصل إلى دمشق في أكتوبر 1918 وأعلن عن استقلال بلاد الشام.

اتفاقية سايكس-بيكو

وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى بادر الحلفاء إلى الكشف عن نواياهم الحقيقة والتنصل من الوعود التي قطعوها مع العرب. ففي الوقت الذي كانت فيه بريطانيا تتفاوض مع الشريف حسين بشأن الاعتراف باستقلال البلاد العربية، كانت تتباحث مع فرنسا لتقسيم هذه البلاد بعد الحرب. وقد جرت هذه المباحثات بين ممثل الحكومة الفرنسية François Georges-Picot وممثل الحكومة البريطانية Mark Sykes، وعُرفت هذه الاتفاقية فيما بعد باتفاقية سايكس-بيكو، أسفرت عن الاتفاق على تقسيم البلاد العربية التابعة للخلافة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا، المنتصران الرئيسيان في الحرب، ما عدى الجزيرة العربية.

خريطة تقسيم المشرق بين المحتلين حسب اتفاقية سايكس بيكو
خريطة تقسيم المشرق بين المحتلين حسب اتفاقية سايكس بيكو

وتطبيقا لاتفاقية سايكس-بيكو قرر المجلس الأعلى للحلفاء المنعقد في 25 أفريل 1920 بـ San Remo بجنوب إيطاليا والمحاذية لمملكة Monaco بفرنسا، وضع العراق وفلسطين وشرقي الأردن تحت الانتداب البريطاني ووضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي. وعلى أساس هذا القرار بادرت فرنسا إلى احتلال سوريا ولبنان في 5 جويلية 1920، في حين بسطت بريطانيا سلطتها على العراق وفلسطين. ولترضية حليفها الشريف حسين عيّنت ابنه الثالث فيصل ملكا على العراق وابنه الثاني عبد الله أميرا على شرقي الأردن، وقد تنازل له والده عن ميناء العقبة الذي كان تابعا للحجاز.

أما في الجزيرة العربية، فقد استغل سلطان نجد عبد العزيز أبن سعود نهاية الحرب للاستيلاء على الحجاز بعدما استولى على حائل والإحساء، وتمكنت جيوشه بسهولة من احتلال الطائف ومكة المكرمة في شهر فيفري 1925، فتنازل الشريف حسين عن العرش لفائدة ابنه علي بن الحسين في جدة. فقد استطاع عبد العزيز بن سعود الاستيلاء على البلاد الحجازية بتمامها وكمالها في نوفمبر 1926، وأعلن نفسه ملكا على الحجاز (المدينة المنورة) وسلطانا على نجد (الرياض) وملحقاتها، واضطرت بريطانيا إلى الاعتراف بالأمر الواقع.

قضية الخلافة

وفي تركيا أعلنت الجمعية الوطنية المنعقدة في العاصمة الجديدة أنقرة يوم 29 أكتوبر 1922 عن قيام النظام الجمهوري وانتخبت مصطفى كمال أتاتورك أول رئيس للجمهورية التركية. وبعد قل من سنتين بادر أتاتورك إلى إلغاء الخلافة يوم 3 مارس 1924 وأجبر آخر خليفة عثماني السلطان عبد المجيد بن عبد الحميد على مغادرة تركيا مع عائلته.

وقد استاءت معظم البلدان الإسلامية، لا سيما منها مصر والهند وتونس[5]، لإلغاء الخلافة التي كانت تمثل في نظر المسلمين مؤسسة مقدسة ورمز وحدة الأمة الإسلامية. ففي تونس تأسست لجنة الخلافة برئاسة عضو اللجنة التنفيذية للحزب الحر الدستوري التونسي أحمد توفيق المدني، وأعلنت عن تمسك التونسيين ببيعة الخليفة عبد المجيد، واستمر الأئمة في الجوامع يخطبون باسمه.

أما في بقية الأقطار الإسلامية الأخرى، فقد انعقد مؤتمران اثنان لبحث قضية الخلافة، الأول بالقاهرة في ماي 1926 والثاني في مكة المكرمة[6] في جوان من نفس السنة. وقبل انعقاد هذين المؤتمرين اللذان لم يسفرا عن أي نتيجة إيجابية، قام الشيخ عبد العزيز الثعالبي بعدة مساع لحل مشكل الخلافة. فزار مكة المكرمة واجتمع بالأمير الحسين بن علي، واستنتج من محادثته معه أن شريف مكة لا يصلح للقيام بأعباء الخلافة. وتحول من الحجاز إلى اليمن حيث تقابل مع الإمام يحيى واقترح عليه أن يتقلد منصب الخلافة، فرفض الإمام هذا العرض، معتبرا نفسه غير مؤهل لمثل هذه المهمة في تلك الظروف العصيبة التي يشهدها العالم الإسلامي. وفي الوقت ذاته سعى بعض المصريين إلى تقليد الملك فؤاد منصب الخلافة، ولكن مساعيهم قد باءت بالفشل، غير أن فكرة الخلافة قد ظلت مطروحة مدة طويلة من الزمن إلى أن يئس قادة الفكر في العالم الإسلامي من إمكانية تحقيقها. فقد صرح الثعالبي لجريدة المقطع المصرية في عددها الصادر يوم 24 أكتوبر 1931 ما يلي: “إن مسألة الخلافة لا تستحق اهتمامنا، لأن أغلب البلدان الإسلامية تحت السيطرة الأجنبية لا تملك لنفسها نفوذا ولا سلطانا، وللخلافة شروط أهمها الاستقلال التام، فمن الخدع الاشتغال بها في الوقت الحاضر”.

حمادي الساحلي (1928-2002)
تونس في 15 أكتوبر 1996


[1] تقع في المنطقة الشرقية، وتبعد عن العاصمة الرياض 328 كلم

[2] خلال الحرب العالمية الأولى تكونت قوات الحلفاء وتضم كلا من المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا وفرنسا والإمبراطورية الروسية، في مقابل مجموعة دول المحور التي تضم كلا من الدول التالية: الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا.

[3]  ثالث أبناء شريف مكة الحسين بن علي الهاشمي

[4]  تمكنت قوات فيصل من تفجير خط سكة قطارات الحجاز بمساعدة ضابط المخابرات البريطاني لورنس، وطردوا الجيش العثماني من مكة والمدينة المنورة والطائف وجدة وينبع والعقبة

[5] البلدان التي كان يتواجد فيها الشيخ عبد العزيز الثعالبي في تلك الفترة، بعد أن غادر تونس في 26 جوان 1923 بقرار نفي من سلطات الاحتلال الفرنسي

[6] عقدت دورته الأولى في مكة المكرمة بدعوة من ملك السعودية عبد العزيز آل سعود، والذي انعقد المؤتمر برئاسته فكان بذلك المؤسس الأول للمنظمة التي أصبحت فيما بعد 1969 تعرف بمنظمة المؤتمر الإسلامي

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات