fbpx

الحركة الإسلامية بين المبدئية والبراغماتية

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الأربعاء 14 ذو القعدة 1440 الموافق لـ 17 يوليو 2019
  • 0
  • 470 مشاهدة
حسن الترابي

الإسلام هو الدين (دين الله الأول) الذي اكتمل على يد النبي الخاتم محمد (ص) وهو الرسالة في معانيها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وهو الحركة الثورية الأولى من أجل إرساء دعائم الحرية والعدل والمساواة لضمان سعادة الإنسان في الدنيا والأخرة، انطلق من جزيرة العرب إلى البشرية كافة ولم يكن للعرب خاصة برغم ما حمل معه من معجزته الخالدة (القرآن) بلغة العرب على أيدي رجاله الأوائل الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر…

هذا الدين وهذه الرسالة تناقلتها لنا أجيال وأجيال ممن سبقونا فجاءتنا بين صهيل الخيول وظلال السيوف وصحائف الكتب وأدعية الصالحين وكلمات الدعاة ونصائح العلماء، على أيدي رجال (ونساء) منهم من صدق النية ومنهم من اختلطت نيته بالصالح والفاسد ومنهم من فسدت نيته، وكما جاء في الحديث الصحيح المنقول عن عمر بن الخطاب قوله سمعت رسول الله (ص) يقول: “إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل أمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه”… وعلى هذا الحديث دارت مدارات الكتب والعلوم الشرعية كلها لأهمية النية في أعمال المرء كلها.

وعلى مدار تاريخ المسلمين (عربا وعجما) قامت دول وحضارات ومُنِيَ المسلمون بهزائم وانتكاسات وبحسب امتلاك المسلمين لأسباب القوة والنصر بحسب ما كان لهم من الشوكة والدولة وبحسب ما يعملون بما جاءهم به نبيهم (من القرآن والسنة) تكون وحدتهم وعزهم ومجدهم وبحسب ابتعادهم عن مبادئ الكتاب (والسنة) يكون انقسامهم وفقدانهم لسلطانهم وذلهم، وبحسب امتلاكهم للعلوم وعملهم بها بحسب ما يصنعون ويشيدون من العمران والحضارة وبحسب ابتعادهم عن مصادر العلوم وعدم أخذهم بأسبابها يكون تخلفهم وارتهانهم وسبي نسائهم وأطفالهم واحتلال أراضيهم وسلب ثرواتهم.

ذلك هو تاريخ المسلمين الذي بشّر الله فيه عباده على لسان نبيه ببشائر وعلامات يهتدون بها، ومن أشهر هذه البشائر الحديث الصحيح المشهور (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)، فبتجديد الدين يحصل التغلب على الجهل والخرافة كما بتجديد الإيمان يحصل التغلب على الوساوس ووهن العزائم مثلما جاء في الحديث “إن الإيمان ليخلقُ في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم” رواه الطبراني والحاكم.

ضمن هذا الإطار من التجديد للدين وبعد مؤشرات سقوط الخلافة العثمانية (الرجل المريض) وصدمة الاحتلال (احتلال كل الأوطان) من الشام ومصر والجزائر وتونس وباقي بلاد العرب والمسلمين خلال القرن التاسع عشر، وبعد أن خيم الجهل والوهن الجسم الأعظم من أمة الإسلام، بدأت تتقاطر على الأمة دعوات للإصلاح على أيدي رجال سخروا حياتهم لتجديد الدين ومحاربة الخرافة ونشر العلم (العلم الشرعي) ومقاومة الجهل، وكان ذلك على أيدي مشائخ وعلماء ودعاة أمثال محمد بن عبد الوهاب وعبد الرحمان الكواكبي وجمال الدين الأفغاني ومحمد إقبال ومحمد عبده وعبد العزيز الثعالبي وآخرون، فعمل هؤلاء على تشخيص الأزمة لدى الأمة من انتشار الخرافة والجهل والظلم والفساد، مما جعلها تفقد أسباب المناعة والوحدة والقوة وتتعرض للضعف والتجزئة والاحتلال.

ثم ومع دخول القرن العشرين جاءت ثلة أخرى من الرجال ليحملوا لبنة أخرى في إعادة البناء ولكن هذه المرة لبنة نحو إعادة تجميع الأمة حول قيادة جديدة لتحمل مشعل التحرر (من التبعية والتخلف والجهل) والتحرير (بمقاومة المستعمر الغاشم المحتل)، فكانت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بقيادة حسن البنا، الذي يروي في مذكراته فيقول: “كنا نسهر الليالي الطوال نبكي على ما آل إليه حال الأمة”…، فالشعور بالمسؤولية، أمام الفراغ (السياسي والحضاري والهووي) الذي أصاب الأمة بعد سقوط الخلافة الإسلامية\العثمانية وتزعم الغرب (أوروبا وأمريكا) كأكبر قوة في الأرض، هو الذي جعل الإمام البنا وإخوانه يفكرون ويعملون بكل جد واجتهاد في تأسيس هذه الدعوة (كانوا يسمونها الدعوة وليس الحركة) التي عمَّت ربوع الأرض وكان لها أثرها العظيم في كثيرٍ من الأقطار إلى يوم الناس هذا.

هذه الدعوة على يد الإخوان المسلمين إنما جاءت لتجدد الدين ورفع كابوس الجهل والخوف لدى المسلمين من قوة وبطش المستعمر الغاشم المحتل (فرنسيين وأنجليز وصهاينة)، ولكن تجديد الدين بدون عمل جهادي لمقاومة المحتل هو لعب ولهو وتسلية لم يسقط قادة الإخوان في هذا المستنقع كما سقطت فيه دعوات وحركات أخرى، وهو ما ميز هذه الدعوة على أخريات خلال القرن الفارط وبداية هذا القرن، فقدمت هذه “الدعوة” على مدى تاريخها (من 1928 إلى 2019) مئات بل آلاف الشهداء، ابتداء من زعيمهم حسن البنا نفسه الذي اغتالته قوة خاصة سنة 1949 بتكليف من المحتل البريطاني وبالتعاون مع عملائه من المصريين على عهد الملك فاروق، بعد أن انطلق البنا في تنظيم حملات للجهاد في فلسطين إثر الاحتلال سنة 1948، ثم التحق به سيد قطب الذي حكم عليه جمال عبد الناصر سنة 1965 بالإعدام شنقا من أجل كتاب كتبه “معالم في الطريق” (طريق الدعوة).

كما دفعت هذه الدعوة في فلسطين بآلاف الشهداء ابتداء بعز الدين القسام مرورا بالشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ودفعت حركة حماس (وهي امتداد لدعوة الإخوان المسلمين) في فلسطين بآلاف الشهداء في معارك شتى مع العدو الصهيوني الغاصب المحتل، ومازالت هذه الدعوة تقدم الشهداء وكان آخرهم وليس أخيرهم الشهيد الرئيس المنتخب ديمقراطيا من قبل شعبه الدكتور محمد مرسي الذي مات خلف قضبان سلطات الانقلاب متشبثا بالشرعية وبمبادئ الثورة المصرية التي هي شقيقة الثورة التونسية منبع الثورات في الوطن العربي.

لقد انطلقت بشعارات الإخوان المسلمين في مصر عشرات الدعوات والحركات الإسلامية في شتى الأقطار العربية وعلى رأسها دعوة الإخوان المسلمين في فلسطين وسوريا ولبنان والأردن والكويت والسودان وتونس وليبيا والجزائر وأخريات في دول آسيوية والقارة الهندية ومعها أكبر التنظيمات الإخوانية في أوروبا، غير أن هذه الدعوات منها من تشبث بمبادئ وشعارات الدعوة الأم وهي أغلبها، ولكن شذ عن هذه الدعوة اثنتان من الحركات الإسلامية وهما: الحركة الإسلامية في السودان بزعامة الدكتور حسن الترابي رحمه الله والحركة الإسلامية في تونس بزعامة الشيخ راشد الغنوشي.

بعد انفصاله عن الإخوان المسلمين وتأسيسه لجبهة الميثاق الإسلامية كان حسن الترابي أول من أعلن خروجه عن جماعة الإخوان المسلمين بعد أن جمع أسس حركته على شعارات الإخوان ومبادئ الإخوان ورسالة الإخوان، وتمحورت حركة الترابي رحمه الله حول شخصه الذي تميز بالنرجسية والثقة بالنفس الزائدة عن اللزوم، وقد حكى لي السفير السابق لألمانيا في الجزائر مراد هاوفمان الذي أعلن إسلامه بأنه جمعته والترابي جلسة ومائدة طويلة جمع فيها هذا الأخير عديد الضيوف عندما كان في الحكم وفي إطار تأسيسه لحزب المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي سنة 1991، وكان الترابي طوال المائدة يتكلم ويحتكر الكلمة المخلوطة بالابتسامة العريضة والطويلة التي لم تخف نرجسيته وكبرياءه وغروره واعتداده بنفسه في كل الميادين في الدين والعلم والسياسة والحكم والقانون، قال لي مراد هاوفمان: منذ أن شاهدت تصرفه ذلك عرفت أنه رجل فاشل لا يصلح للسياسة والحكم” وقد ثبت أن كلام السفير الألماني صحيح.

حيث خاض حسن الترابي تجربته في الحكم عبر انقلاب عسكري سنة 1989 نصّب فيه تلميذه وجنديه الوفي عمر حسن البشير الذي ما فتئ أن انقلب عليه بعد عشر سنوات من الحكم أثبت خلالها الترابي عدم قدرته على تخليص البلاد من مستنقع الفساد والتدهور الاقتصادي والحصار الدولي المفروض على بلاده من قبل المجتمع الدولي، فتبعثرت أوراق الحركة والتجربة الإسلامية في السودان وبقيت بعد موت الترابي (سنة 2016) يتيمة لا تكاد تجتمع على قوة كلمة تفرض بها شروط الانتفاضة والهبة الشعبية التي ثارت في وجه البشير وأطاحت به بعد ثلاثة عقود من الحكم الاستبدادي والفساد المالي والسياسي والتفريط في جزء كبير من أراضي جنوب السودان.

أما تجربة الحركة الإسلامية في تونس فقد تميزت بالنفعية والبراغماتية من النوع الانتهازي –إن صح التعبير- حيث أسس الغنوشي ورفاقه أُسُسَ الجماعة الإسلامية في نهاية الستينيات على مبادئ الإخوان المسلمين في مصر وشعارات والمصطلحات التنظيمية والفقهية والفكرية للإخوان المسلمين، هذا وقد كان للإخوان المسلمين الصدى الكبير على تفاعلات التونسيين منذ الحركة الوطنية في بداية القرن الماضي وكان لبورقيبة علاقات جيدة مع قيادات الإخوان إضافة للامتداد العميق الذي ربط دعوة الإخوان المسلمين بالتجربة الإصلاحية في تونس وكان قد شغل منصب شيخ جامع الأزهر سنة 1952 شيخ تونسي من زعماء حركة التحرير والإصلاح في تونس وهو الشيخ الخضر حسين الذي عُرف بقربه من جماعة الإخوان المسلمين ومن مرشدها حسن البنا، وقد كان التونسيون يتفاعلون مع ما يحدث في الشرق العربي (مصر) من خلال جرائد ومجلات الإخوان وكذلك من خلال إذاعة صوت القاهرة.

تأسست الجماعة الإسلامية في تونس سنة 1969 على يد ثلة من الشباب والدعاة الذين شربوا ويشربون من نبع الإخوان وينهلون من كتابات الإخوان وينهجون نهج الإخوان في انطلاق جماعتهم، ثم ومع صعود نجم الدكتور حسن الترابي وبلوغ كتاباته وأفكاره أصقاع الأرض تأثرت الجماعة الإسلامية في تونس بالنهج و”المدرسة الترابية” وبدأت حركات “تذمر” و”احتجاج” تظهر لدى الطلبة الإسلاميين في الجامعة وعناصر “اليسار الإسلامي” من مدرسة الإخوان ونهج الإخوان خصوصا بعد صدور النسخة الإخوانية في نسختها “القطبية”.

وعرفت هذه الحركات “الانفصالية” و”الاحتجاجية” ضد\على مدرسة الإخوان و”التنظيم الدولي للإخوان” أوجها خلال المحنة\المنحة السجنية للحركة الإسلامية (حركة الاتجاه الإسلامي) سنة 1987، وما إن وصل بالحركة الإسلامية في تونس أن غادرت البلاد وتهجرت زمن المخلوع بن علي في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وبمجيئ وفود اللاجئين التونسيين إلى أوروبا (أرض الهجرة الأولى لدى الإخوان المسلمين من مصر وسوريا) حتى ظهر نفور أغلب أبناء “حركة النهضة” من التنظيم الدولي واختصاصهم بتنظيمهم الذاتي الذي اتسم بـ”غرابة السلوك” و”جفاء الأخلاق” وابتعاده عن المنهج الإخواني الأصيل الذي كان أقرب للتربية الروحية وتهذيب الأخلاق.

غير أنه كان للغنوشي منهج آخر حيث كان هذا الأخير يلتزم بتنظيمه القطري التونسي (حركة النهضة في الداخل والجمعيات الإغاثية والحقوقية والثقافية في المهجر) في كل ما هو نشاط سياسي وإغاثي وإعلامي وفي نفس الوقت يتقاسم نشاط التنظيم الدولي من جمعيات ومجامع علمية وفكرية وندوات ومجالس شورية ونشر عرائض تضم قوائم مشائخ التنظيم الدولي للإخوان في عديد القضايا الإخوانية والإسلامية والفلسطينية والدولية، فكان رجل التنظيمين دون المساس بالواحد من الأخر، رجل هنا ورجل هناك كما يقال، وطل على تلك الحال إلى غاية 2010.

وباندلاع الثورة التونسية وسقوط رأس النظام في جانفي 2011 ومع عودة الغنوشي وفريقه القيادي (في لندن وباريس) إلى أرض الوطن وامام تواتر الأحداث إبان الثورة التي قلبت موازين القوة في العالم العربي حتى بدأ الغنوشي يحس بخطورة وضعه في جسم الحركة الإسلامية عموما والحركة الإخوانية خصوصا، وما إن أقدم النظام المصري سنة 2013 على انقلابه على الشرعية المتمثلة في حكم الإخوان أمام سكوت القوى الغربية والدولية على هذه الجريمة المنكشفة الأدوار حتى بدأت تتوضح للغنوشي ما يجب عليه فعله من سل رجليه تدريجيا من جسم الحركة الإسلامية وابتعاده وتبرّئه من الحركة الإخوانية.

وما تنظيم المؤتمر العاشر للحركة (انعقد في 2016) وما حمله من مضامين ورسائل للداخل والخارج على استعداد الحركة عن تخليها عن “الإسلام السياسي” والجسم الإخواني عموما إلا دليل على أن الغنوشي لم يكن يهندس لهذه النظريات لولا وضعه في الحكم، ولم تكن مضامين المؤتمر العاشر نتيجة مخاض فكري وتطور نظري في أدبيات الحركة وإنما كانت ضريبة اقتسام السلطة مع منظومة قديمة استحكمت بالبلاد والإدارة والتحمت بمفاصل الدولة وإلا كان الأولى أن تُعلن هذه القطيعة الفكرية والإبستمولوجية مع الماضي (الإسلامي والإخواني) منذ الاستقرار بالمهجر المُهيّأ لكل إنتاج وإبداع فكري وعلى الأقصى مباشرة إبان عودة جسم الحركة إلى أرض الوطن، وإنما ظهر الغنوشي “مهندس” المرحلة بتنازلاته وتوافقاته مع رأس المنظومة القديمة (الباجي قايد السبسي) مباشرة إثر انقلاب العسكر على حكم الإخوان في مصر سنة 2013.

هذه “البراغماتية” التي تجعل من جماعة إسلامية وحركة إخوانية في بدايتها (منذ 50 عاما) ترسي بسفينتها على ميناء جواز المثلية الجنسية والعلاقة الوطيدة مع أغلب السفارات الاستعمارية والتصالح مع الفساد والمفسدين في المنظومة الحاكمة وإرجاع أغلب رجال الدولة العميقة إلى الحكم عبر بوابة البرلمان بسن القوانين المناقضة لمبادئ الثورة، يجعل من أي عاقل ومتحرر من أفيون التحزب والعصبية الحزبية أن يسأل من يقف وراء هذه “العبقرية” و”البراغماتية” التي فاقت زمانها وأطاحت بويليام جايمس (مؤسس النظرية البراغماتية) وفاقت كل الحدود في الانتقال من مبدإ الإسلام والحركة الإسلامية المنتصرة للفقراء والضعفاء والمحرومين إلى مبدإ الفكر الليبرالي الفاحش الذي يتصالح مع الفسدة ويرعى مصالح الدول المستحكمة في ثروات البلاد.

هو نفسه هذا البراغماتي والمهندس الذي ما فتئ (منذ عودته لتونس في 2011) يعلن في كل مرة أنه غير معني بأي موقع سياسي، يجعله ينقلب على نتائج انتخابات حزبه الداخلية من أجل تنصيب نفسه على قائمة حزبية على دائرة تونس الأولى لكي يتسنى له الدخول إلى مجلس النواب وبالتالي اعتلاءه رئاسة البرلمان الذي هو بمثابة القلعة الأقوى في منظومة الحكم الجديدة التي جاءت بها الثورة والتي تجعل من رئيس الدولة محبوسا في قصره ينتظر توافقات البرلمان ونتائج تصويت البرلمان.

وهو نفسه الذي دعا إلى “الإسلام الديمقراطي” في مؤتمره العاشر وفي نفس الوقت لم تعجبه نتائج تصويت المؤتمر فغضب وهدد (بالمال) وزمجر (باستعمال نفوذه وموقعه كرئيس للحزب) وفي الأخير حصل على ما أراد من خلاصات المؤتمر ونتائج تصويت المؤتمر التي أُعيدت من أجل إرضاء الشيخ.

هذه الازدواجية في الخطاب والتناقض في الممارسة والانتهازية في المواقف مرده حسب رأيي إلى خمسة أشياء:

  1. الأول: التركيبة العصبية والجهوية والفون-دو-كومارس للحزب، حيث يتصرف الغنوشي في كل مرة على أنه المالك لهذا الأصل التجاري (إن صح التعبير) وأنه هو وأصحابه الذين يرضى عنهم يحق لهم التفكير في حاضر ومستقبل هذا الحزب والبقية هم ركاب سفينة التحقوا بها بعد أن انتشلتهم من عواصف التغريب والاستلاب الثقافي والحضاري والديني
  2. الثاني: ضعف وهشاشة المستوى السياسي والفكري لقواعد الحزب الذين أنهكتهم المحنة ويثبتون في كل مرة (في 1983 و1987 و1991 و2011 و2016) أنهم عاطفيون ولا يحسنون التخاطب مع زعامة وقيادة الحزب، ومن نجا منهم من تدني المستوى السياسي والثقافي امتلكهم زعيم الحزب بالمال أو أغراهم بالمواقع فلا يكادون يفرون من هيمنة وتأثير زعيم الحزب على أفكارهم وحتى على نوايا التصويت لديهم
  3. الثالث: منهج اقتسام السلطة مع الفساد يجعلك تتنازل في كل مرة لتحصل على الحد الأدنى فيمكن الجانب الآخر منك ويزيد من بسط نفوذه وتقوية شروطه حتى يزيد من إضعافك من حيث انك تتصور نفسك انتصرت عليه
  4. الرابع: فتنة السلطة والحكم هو مذاق السم والعلقم الذي ابتليت به معظم الحركات الثورية في العالم
  5. الخامس: نرجسية زعيم الحزب وبطانة السوء من حوله تجعله ينحاز إلى أسوء التقديرات وأضعف المواقف

المهدي بن حميدة
في 17 جويلية 2019

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات