fbpx

السّيادة وأضدادها

لقد أطنب ابن خلدون في مقدمته الحديث عن البداوة وهي عكس الحضارة، وتحدث أيضا عن السيادة والرئاسة والملك وأضدادها، وذكر موجبات كل مرتبة من هذه الصفات والأسماء…

فقد جاء في معجم المعاني مرادفات كلمة سِيادَة : وهي أُبَّهَة , إِمَامَة , جَاه , حَسَب , حُظْوَة , رِئَاسَة , رِفْعَة , زَعَامَة , سُمُوّ , شَرَف , عَظَمَة , عُلُوّ , عِمَادَة , قِيادَة , مَجْد , مَكَانَة , وَجاهَة ، إمَامَة , رِئَاسَة , زَعَامَة , قِيادَة ، سُؤْدَد ، مَجْد ، شَرَف…

كما أضداد كلمة سِيَادَة : إِذْعانٌ , إِنْقِيادٌ , استكانَةٌ , خُضُوعٌ , إِتِّضَاعٌ , إِذْعانٌ , إِنْقِيادٌ , استكانَةٌ , امتثالٌ , امتهانٌ , انْحِطاطٌ , تَدَلُّلٌ , تَذَلُّلٌ , حقارَةٌ , خَساسةٌ , خُضُوعٌ , دَناءَةٌ , ذُلٌّ , رُضُوخٌ , سُفُولٌ , مَهانَةٌ , وضاعَةٌ…

ولقد ذكر ابن خلدون أن السيادة والرئاسة والملك مسائل تتناقل بالأنساب والبيوت، فمن عاش وتربى في بيت عز وشرف وملك ورئاسة تنتقل له تلك الصفات فيتملّكُها، قال تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ) وأن حكمة الله تعالى في أن يتربى موسى عليه السلام في قصر وبلاط فرعون لهو من باب اكتساب هذه الصفة في مراتب السيادة والرئاسة والملك، في مقابل بني إسرائيل الذين تربوا في الذل والهوان واستعباد فرعون وقومه لهم (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).

ومن امتهن الذل والخنوع في بيته فقد يُتوارث ذلك الذل إلى أن ينتهي ذلك الجيل الحامل للذل، حيث ذكر ابن خلدون في تفسير قوله تعالى عن اليهود (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ ۛ أَرْبَعِينَ سَنَةً ۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) ذكر في تفسير هذه الآية أن قوم موسى لما أمرهم الله تعالى بأن يدخلوا على العماليق في أريحا بفلسطين (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) ذكر أن الجيل مقدر بأربعين سنة، ولما اتصف قوم موسى بالذل والهوان عند امتناعهم عن دخول مدينة أريحا قال أنه تكفيهم أربعين سنة لكي ينقرضوا وينتهي ذلك الجيل الحامل لصفات الذل والهوان.

كما ذكَر ابن خلدون صفات أهل الرئاسة والسيادة فقال : “فإذا نظرنا في أهل العصبية ومن حصل لهم من الغلب على كثير من النواحي والأمم، فوجدناهم يتنافسون في الخير وخلاله من الكرم والعفو عن الزلات والاحتمال من غير القادر والقِرَى للضيوف وحملِ الكَلِّ وكسب المعدم والصبر على المكاره والوفاء بالعهد وبذل الأموال في صون الأعراض وتعظيم الشريعة وإجلال العلماء والعاملين لها .. والانقياد إلى الحق مع الداعي إليه وإنصاف المستضعفين من أنفسهم والتبذُّل في أحوالهم والانقياد للحق والتواضع للمسكين واستماع شكوى المستغيثين والتدين بالشرائع والعبادات والقيام عليها وعلى أسبابها والتجافي عن الغدر والمكر والخديعة ونقض العهد”.

المختصر المفيد من ذكر هذا أن السيادة والعز هي صفات تكتسب وتدخل البيوت والعائلات وتتناقل عبر الأجيال بالانتساب، كما الذل والهوان يدخل البيوت ولا يمكن التخلص منه إلا بالتخلص من ذلك الجيل الحامل للذل…

فالمسألة إذا ليست مسألة دهاء ومكر في السياسة فحسب وإنما الأمر متعلق أساسا بالانتساب لبيوت العز والشرف والسيادة أم انتساب لبيوت الذل والخنوع والهوان، وهذا مبحث كبير في علم الرجال والأنساب ومنحدر كل سياسي، نسيناه وتجاهلناه فأضلونا وتاهوا بِنَا إلى أن وصلنا إلى ما ترون ممن يتولون أمورنا في هذا الزمن الرديء..

المهدي بن حميدة
في 21 أكتوبر 2017

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات