fbpx

تدريس مادة التربية الجنسية

  • مختار بدري الكاتب: مختار بدري
  • الأربعاء 28 ربيع الثاني 1441 الموافق لـ 25 ديسمبر 2019
  • 0
  • 869 مشاهدة
محتار بدري
مختار بدري – كاتب تونسي

توجد مشاكل في بعض مدارسنا تحت عنوان التحرّش الجنسي بالأطفال، فهل نعالجها بتعميم تدريس التربية الجنسية لأطفال صغار أو مراهقين؟ مادة التربية الجنسية نبتة غريبة عن ثقافتنا وديننا.. استحدثتها مجتمعات تنظر للجنس نظرة مختلفة تماما عن قيمنا الأخلاقية، وأحكامنا الإسلامية، وعاداتنا الاجتماعية.

الجنس عندهم سلوك طبيعي للمراهق الذي يبلغ السادسة عشر.. يمارسه الشباب في بيوتهم وبعلم والديهم ورعاية المجتمع لهم.. فالعلاقة بين الجنسين تبدأ بمرحلة الصداقة المفتوحة التي تشبع الغريزة ولا تؤسّس لمسؤولية اجتماعية لا حياء فيه، فهو عندهم حاجة طبيعية يلبيها الإنسان كحاجته للأكل والشرب والترفيه سواء، وإذا تأخر الشاب في إتيانه بأن لم يتخذ خليلا أو خليلة يَنظرُ إليه من حوله نظرة ريبة، وربما يُعرض على أخصائي نفسي واجتماعي لمعالجته..

ونظرا لسلطان الغرائز القوي على الشباب في هذا العمر، وانعدام التجربة في الحياة، وقلة المسؤولية تنتج عن إشباعه المبكر لهذه الغريزة أخطاء تعاني منها المجتمعات الغربية، من أهمّها حمل الفتيات وإنجاب أطفال خارج مؤسسة الأسرة، فتتورط الأم الشابة في مولود بدون أب وتصبح وليّا وحيدا له. وهي ظاهرة اجتماعية واسعة الانتشار تُعرف بـ (single mother) وكثيرا ما تتفصى الأم المفردة/الوحيدة من وليدها بأساليب مختلفة فينتهي إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية لينشأ بدون أبوين.

وتفيد الدراسات الاجتماعية أن هذا الصنف غير القليل من الأطفال مجهولي المصدر يمثل تربة خصبة للفشل المدرسي، والقسوة العاطفية، والانحراف الاجتماعي، والانزلاق نحو العنف والجريمة بلا رحمة…

التربية الجنسية في تلك المجتمعات هي استجابة ضرورية لحاجة واقعية لديهم، حال كونهم غارقين في وحل الزنى لا يجدون منه فكاكا، فيعمدون إلى تخفيف أضراره لا معالجة أسبابه. والتربية الجنسية ليست مجرّد تعريف بأعضاء الإنسان ذات الصلة، وإنّما هي تهيئة مبكّرة للممارسة الجنسية، تبدأ بتوعية الطفل الصغير وتنتهي بتدريب المراهق..

وبدون تقعّر فإنّ أهم مخرج “تربوي” لهذه المادّة ليس منع التحرّش كما يزعم من يقترحونها، وإنّما ممارسة “الجنس الآمن” لمنع الحمل.. والمسلمون في كثير من المدارس الغربية يسحبون أولادهم من هذه الدروس ومن دروس التربية الدينية التي تناقض معتقداتهم وقيمهم التربوية والاجتماعية..

التربية الجنسية عندنا نحن المسلمين هي غرس قيمة الحياء في أولادنا، والتشديد على تحريم العلاقات الجنسية خارج الزواج، وترسيخ قيم العيب والفضيحة الاجتماعية لمن ينزلق فيها، وإخضاع القصّر منهم لبرامج الإصلاح النفسي والإحاطة التربوية، وتسليط أقسى العقوبة على المخالفين الذين يقعون تحت طائلة المسؤولية القانونية. والتربية على القيم ذات الصلة بالعلاقة بين الجنسين يجب أن تكون عابرة للمواد التعليمية، تُعطى من خلال دروس اللغة الفرنسية والإنجليزية والعربية، وعلوم الأحياء والأرض، والمواد الاجتماعية والتربية الإسلامية، والأنشطة المدرسية، كل يتناولها حسب اختصاصه وطبيعته.

ولا أرى أن يناقش هذا الموضوع نقاشا فكريا هادئا، فهو ليس من قبيل مراجعة الأساليب البيداغوجية أو عدد ساعات التدريس أو تعلّمية هذه المادّة أو تلك أو أهمّية دراسة اللغات وهي جميعا على درجة عالية من الأهمية..

إنّ إثارة هذا الموضوع هو ضرب في “اللحم الحي” يجب أن يفزع أصحاب الأقلام، والإعلاميون، والمدوّنون، والأولياء، والمربّون، والمشرّعون في انتفاضة سلمية تشنّع بمن يقف وراء هذا البرنامج، وتصفه، في إطار حرية التعبير، بالعار والشنار، وتواجهه بلا هوادة عبر حملات التوعية والتعرية، حتى لا يتجرّأ علينا أحد في بيوتنا.. أولادنا أمانات في أعناقنا فلنحمهم، وأعراضنا خط أحمر..

ولا يفوتني أن أنوّه إلى أنه لا يكفي مع المتورطين في مخالفات التحرش الجنسي بالأطفال أن يعاقبوا عقوبات إدارية. يجب أن يؤخذ الموضوع بأقصى درجات الجدية من الأسرة التربوية قبل غيرها. من يثبت عليهم الولوغ في هذا المستنقع يعتدون في المقام الأوّل على شرف المهنة التربوية، ويشوّهون زملاءهم وعلينا أن نتبرّأ منهم، وعلى السلطات المخوّلة أن تمنعهم منعا باتّا ودائما من ممارسة مهنة التدريس في القطاعين العمومي والخاص، ومن ممارسة أية مهنة تتعامل مع قصّر كمآوي العجّز، وأنشطة الكشافة والمحاضن التربوية، قطعا لدابر هذه الخطيئة.

وتجدر الإشارة في هذا السياق لوجود حاجة للتربية الجنسية والأسرية في مرحلة لاحقة من حياة الشاب. وهناك تجارب ناجحة في بعض البلاد الإسلامية والأقليات المهاجرة، توفر دورات لتوعية الشبان المقبلين على الزواج بمسؤولياتهم الجنسية والاجتماعية، أثبتت نجاحا معتبرا في توفير أسباب استقرار الأسر الناشئة، وحدّت من ظاهرة الطلاق المبكر.

الكاتب مختار بدري
الدوحة – قطر