fbpx

“خلق الثروة” أم كسب الثروة؟

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الأثنين 23 جمادى الآخرة 1441 الموافق لـ 17 فبراير 2020
  • 0
  • 1463 مشاهدة
خلق الثروة

“خلق الثروة” هو مصطلح حديث على المجتمع التونسي جاء به المهدي جمعة (فرنسي التكوين والجنسية) عندما استلم الحكم في 2013، ويعتمد هذا المصطلح في بنيته النظرية والعملية على جذور غربية تعتمد على الفلسفة اليهو-مسيحية في جلب الثراء، والذي يتميز بسمتين رئيسيتين وهما: 1- السرعة 2- من اللاشيء

وهاتان السمتان (السرعة ومن اللاشيء) تتوفران في صفة الخَلْق التي يتميز بها الخالق (الله عز وجل) سبحانه وتعالى جينما يقول (ِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ 82) سورة يس، خلقٌ من لاشيء وفي لمحة من الزمن تكاد لا تكون، كذلك خلق الثروة من منظور غربي في النظام الاقتصادي الرأسمالي الحديث يعتمد على السرعة وعلى أنه يتكون من اللاشيء، كيف ذلك؟


الثروة (المال) في النظام الرأسمالي الغربي تتكون من جلب العقود، أو إبرام العقود، أي بمجرد أن تحصل الجهة المانحة (التي في الغالب هي مؤسسات بنكية) على عقد بيع\بناء شقة مثلا فهي تحصل في رصيدها (الآن وعلى الفور) على مبلغ مالي يساوي أو يفوت ثمن تلك الشقة (*) ، والشقة مازالت غير موجودة وكذلك المال (ثمن الشقة) مازال غير موجود، فقط الذي توفر هو العقد (الربوي) الذي يلزم الشاري بأن يدفع مبلغا ماليا ما بفائض قيمته كذا وكذا وفي أجل أدناه كذا وأقصاه كذا، تلك هي ثروات البنوك كيف تتكون في الغرب، وكذلك ينسحب الأمر على مثال القروض الربوية.


وهو (هذا النظام في خلق الثروة) ما جلب الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالمؤسسات المالية بأمريكا سنة 2008 والتي عرفت بأزمة الـsubprime أي بمجرد أن يتوقف الشاري (لأسباب تتعلق بالمعيشة والشغل والبطالة وغيرها من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية) بمجرد أن يتوقف عن دفع مستلزماته من المبلغ المستحق عليه كل شهر مع الفائض، تجد المؤسسات المالية نفسها (البنوك) أمام أزمة في سد الفراغ المالي الناتج عن توقف دفع المستحق مستحقاته، وهكذا.


وهو نظام هش، يعتمد أساسا على الربا، لذلك تتوفر فيه صفة السرعة واللاشيء وهي صفة الخلق، وهذه الطريقة في الكسب هي محرمة عند المسلمين وبالتالي فإن “خلق الثروة” هي منهجية ونظام هش لا ينبغي اعتماده في النهوض ببلداننا التي تعتمد على منهج الإسلام في تحريم الربا.


وإنما المنهجية الأقرب للمنظور الإسلامي هي منهجية وفلسفة العمل والجهد، فبقدر العمل تأتي الثروة وبقدر الجهد ينمو المال، وبالتالي فإن المصطلح الأقرب لهذه النظرية (النظرية الإسلامية) هو مصطلح “كسب الثروة” (وكسب الثروة يلزمه وقت وجهد) وليس “خلق الثروة” (السرعة ومن اللاشيء) كما يزعم المهدي جمعة ومن لف لفه من النخب المتغربة والمغتربة عن شعوبها وعن وطنها.

(*) ضمن نظام مالي بنكي وقانوني ينظم علاقة خلق الثروة بين البنك وبين المؤسسة المالية الحكومية (البنك الوطني أو البنك المركزي)، حاولت سويسرا ان تجعله نظاما يتحكم فيه البنك الوطني عبر استفتاء وطني نُظم في جوان 2018 ولكنه رُفض من قبل الشعب.

المهدي بن حميدة
في 17 فيفري 2020

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات