fbpx

مقياس الرخاء وجودة الحياة

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الأحد 21 جمادى الأولى 1440 الموافق لـ 27 يناير 2019
  • 0
  • 612 مشاهدة

نشر موقع (U.S. News & World Report)على صفحته بتاريخ 23 جانفي 2019 دراسة في ترقيم وتصنيف البلدان والتي بمقتضاها احتلت سويسرا المرتبة الأولى في تصنيف الـ80 دولة ، وأُعدّت هذه الدراسة من قبل BAV Group ومدرسة وارتون في جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية (البروفيسور ديفيد جي ريبشتاين) شارك في التصويت ضمن هذه الدراسة 20 ألف مشارك من مختلف البلدان.

ارتكزت الدراسة على 65 سمة من السمات المحددة للرفاهية ورقي الدولة المرشحة للتصنيف وهي 80 دولة منها تونس (جاءت في المرتبة 72، واحتلت العراق المرتبة الأخيرة)، تم تجميع السمات في تسع فئات فرعية تم من خلالها تصنيف أفضل البلدان وهذه السمات هي:

  1. المغامرة: ودية العلاقات، المرح، المناخ اللطيف، الطقس الخلاب، الرغبة الجنسية
  2. المواطنة: حقوق الإنسان، البيئة، المساواة بين الجنسين، الحرية والعصرنة، الحرية الدينية، احترام حقوق الملكية، الشعور بالجدارة بالثقة، التوزيع الجيد للسلطة السياسية
  3. التأثير الثقافي: وسائل التسلية والعصرنة والسعادة، الشعور بالانتماء الثقافي والحضاري المؤثّر.
  4. ريادة الأعمال: التواصل مع العالم، التعليم، ريادة الأعمال والابتكار، سهولة الوصول إلى رأس المال، القوى العاملة الماهرة، الخبرة التكنولوجية، شفافية الممارسات التجارية، بنية تحتية متطورة، إطار قانوني جيد ومتطور
  5. التراث: يمكن الوصول إليها ثقافيا، غنية في التاريخ، المأكولات الممتازة، المعالم الثقافية المتعددة
  6. التطور السكني: مختلف، مميز، ديناميكي، فريد من نوعه
  7. الانفتاح على الشركات: البيروقراطية، انخفاض تكاليف التصنيع، الفساد، البيئة الضريبية الملائمة، شفافة الممارسات الحكومية
  8. السلطة: الزعامة، تحالفات دولية قوية ومؤثرة سياسيا، قوة التأثيرات السياسية، قوة ونوعية القوات مسلحة
  9. جودة ونوعية الحياة: سوق وظيفية جيدة، أسعار معقولة ومستقرة اقتصاديا، لصالح الأسرة، المساواة في الدخل، استقرار سياسي، نظام التعليم العام آمن ومتطور، تطور نظام الصحة العامة

ثم كل واحد من هذه السمات مرتبط بمجموع الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2017.

تعالى نحدد مفهوم الرخاء وجودة الحياة بالمعنى المُشار إليه في تصنيف سويسرا البلد الأول في العالم، وماهي محددات نمط العيش في سويسرا :

  • جودة الحياة هي أن تفتح هاتفك لتعرف موعد مرور الحافلة على أقرب محطة إليك، فتخرج من بيتك قبل دقيقتين (أو ما يعادل مسافة الوصول إلى المحطة) فتأخذ حافلتك بدون ازدحام لأن الحافلة التي بعدها سوف تمر خلال 6 دقائق
  • جودة الحياة هي أن تذهب إلى أي شباك عمومي (مكتب البريد مثلا) فتجد ربما طابورا فتأخذ مكانك في الانتظار خلف الطابور بدون ان يأتي أحد ليفتك مكانك ولا يعيرك أي اهتمام، الجميع يحترم الجميع والجميع يطلب الإذن من الجميع والجميع يرفق بالجميع
  • جودة الحياة هي ان تقود سيارتك وبمجرد أن تفهم من المترجّل المار على الطريق (عن بُعد وقبل أن تصل إليه) أنه سوف يعبر الطريق (مازال لم يعبر ولم يضع رجله)، تنزل على فرامل السيارة وتوقف سيارتك لتتركه يمرّ ثم يحييك بتحية الشكر وترد عليه بنفس التحية ثم تمر.
  • جودة الحياة هي أنك وإن كنت مستعجلا وتريد أن تلتحق بإحدى الإدارات العامة قبل الغلق، أو أن تصل إلى المحطة قبل انطلاق القطار (الذي تعدّل على خروجه ساعتك) فتحدثك نفسك بأن تتجاوز إشارة الضوء الأحمر لعبور المترجلين، والحال أن الطريق خال من السيارات ولا توجد سيارة واحدة، ولكنك تقف على مضض وتضطر لانتظار الإشارة الخضراء بمجرد أن ترى أنه في المجموعة التي تنتظر معك هناك أطفال صغار مع أوليائهم وتخاف أنك لو تعبر الطريق في الإشارة الحمراء سوف يصرخ في وجهك ولي ذلك الطفل ليعطيك درسا في الأخلاق، وكيف أنك تتصرف بغباء وعنجهية أمام ابنه أو ابنته ليتعلم منك الكذب والغش، فتضطر للوقوف مع الناس تنتظر الإشارة الخضراء.
  • جودة الحياة هي أن تجد ورقة ملصقة على باب العمارة ليُعلمك فيها أحد الجيران ويستأذنك بكل أدب في إقامة حفل عائلي (بمناسبة عيد ميلاد أحد أبنائه) وانه سوف يُسمع ضجيج في المبنى من الساعة الثامنة إلى العاشرة ليلا، وعند الموعد لا تكاد تسمع أي ضجيج مزعج يتطلب كل ذلك الأدب والإعلام.

باختصار كل نقاط الرفاهية تقريبا تتعلق بالأخلاق والأدب أكثر منها تتعلق بالرفاهية المادية (وهي مهمة ومحددة)، يعني الموضوع يتعلق بالآداب والأخلاق والتربية قبل أن يتعلق بكثرة الأموال والموائد وتعدد أصناف الأكلات والسهرات وجلسات الشاي والسيارات الفارهة والمنزل المترف.

بينما الرفاهية في تونس:

  • هي أن تنظف منزلك وتلقي بالقاذورات بالطريق العام وأحيانا أمام بيت جارك، المهم أن مسكنك نظيف
  • هي أن تفرش أعز الفُرش وأضخم الصالونات في بيتك ولا تدفع أداءك البلدي لكي يصلحوا الطريق امام مسكنك وامام مسكن جارك ومدخل بلدتك
  • هي أن تأكل وتضع ما لا يقل عن ثلاث غلال (في فصل الشتاء) على مائدتك (دون الحديث عن أصناف الغلال في فصل الصيف التي تصل إلى العَشر غلال على مائدة واحدة) ولكنك لا تأدي زكاة مالك ويعزّ عليك جلب ضيف إلى بيتك أو التبرع بدينار لجمعية تكفل يتيما
  • هي أن تمر في الطريق بسيارتك ولا تُعطي الأولوية لأحد سوى نفسك لكي تصل إلى موعدك وتُدخل إلى خزينتك دينارا زائدا (ثم تدفع مائة دينار في عطب في السيارة آخر ذلك الشهر)
  • هي ان تدخل إلى البلدية لاستخراج مضمون أو ورقة شخصية وأنت في مقتبل العُمر، فتدخل وتتوجه إلى شباك المعاملات مباشرة، ولا تلتفت إلى من هم جالسون في القاعة، ثم تضع مِرْفقيْك على عتبة الشباك وتصرخ بعنجهية بالله حاجتي بمضمون ولادة، ضاربا بعرض الحائط الطابور الجالس في بنك الانتظار من الشيوخ والنساء.

لذلك تونس احتلت المرتبة 72 في ترتيب 80 دولة بينما احتلت سويسرا المرتبة الأولى، فالمسألة ليست مسألة رفاهية مادية كما يظن الكثيرون ولكنها مسألة تربية وأخلاق، وكما قال أحمد شوقي:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت          فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم       فأقم عليهم مأتما وعويلا
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه      فقوّم النفس بالأخلاق تستقم

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات