fbpx

التعليم الديني والتعليم الزيتوني

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الأثنين 29 جمادى الأولى 1440 الموافق لـ 4 فبراير 2019
  • 0
  • 1008 مشاهدة

أنا على وشك الاعتقاد أن أكبر إنجاز قام به بورقيبة هو إيقاف التعليم الزيتوني سنة 1960، قلت على وشك الاعتقاد لأنه قد يأخذ مني هذا المبحث مزيدا من الوقت للخروج بخلاصة نهائية، ولكن كل المؤشرات والمراجعات والمباحث التي قمت بها إلى حد الساعة تجعلني أميل إلى هذا الاعتقاد.

وبرغم حرص رجال الإصلاح في القرن التاسع عشر على تطوير التعليم بالجامع الأعظم، ولقد أفنى الشيخ محمد الطاهر بن عاشور عمره في تطوير المناهج التعليمية لجامع الزيتونة بعد أن كتب في شبابه كتابه الشهير “أليس الصبح بقريب” (الذي قرأته ثلاث مرات)، فإن التعليم الديني بما هو عليه اليوم (وليس زمن الطاهر بن عاشور فقط) لا يفي بحاجيات ومتطلبات العصر في شتى العلوم والمعارف.

كما أنه من الأهمية بمكان التمييز بين علم وعلم آخر، وليست كل علوم التعليم الزيتوني كارثية، فهناك علم الحديث وعلوم القرآن وعلم الفرائض (المواريث) مثلا هي علوم ثابتة حسب نظري، مثلها مثل النحو والصرف ليس فيها مجالا كبيرا للتطوير، ولكن هناك مواد أخرى مثل مادة الفقه الإسلامي يجب أن نتوقف عن تدريسها (moratoire) لأن فيها من الكوارث ما يجعل تدريسها يصل إلى حد العقوبة السالبة للحرية.

والنظرة الاستباقية والاستشرافية لهذا الموضوع (موضوع مواد الدراسات الإسلامية) هو في صالح التعليم الديني وفي صالح البلاد والأجيال القادمة والسابقة، والأولى بأهل الزيتونة وأهل التعليم الديني أن يقوموا بنقد مناهجهم وتغيير قسم كبير من العلوم والمعارف من داخل المنظومة الدينية ذاتها خير من أن تفرض عليهم المحاكم التونسية أو الدولية (في يوم ما ونحن مقدمون على ذلك اليوم طال الزمن أو قصُر) أن يغلقوا مؤسساتهم أو ينقطعوا عن تدريس علومهم، فتُهمش وتتشتت مؤسساتهم كما فُعل بها من قبل.

وعملية فتح فروع لجامع الزيتونة التي شاهدناها في شتى ولايات تونس بعد الثورة هي عملية عشوائية وخبط عشواء لا تستند إلى أي خطة استراتيجية أو معرفية أو أكاديمية، ويجب على هذه الفروع أن تُغلق على الفور ثم يُطرح موضوع الخطاب الديني والتعليم الديني والأطر والكوادر الدينية، يجب أن يُطرح بكل تعقل ومسؤولية من قبل السلطات التشريعية (البرلمان) والمؤسسات العلمية والبحثية على طاولة البحث وإيجاد خطط استراتيجية للنهوض بالعلوم الشرعية واستكمال المنظومة التربوية لأبنائنا والأجيال اللاحقة.

كما أن قطاع المساجد والأئمة والعاملين في الحقل الديني (وُعّاظ، مؤذنون، أئمة، عمال بالمساجد) يجب أن يُفوّر هذا القطاع من أساسه ويقع وضع المناهج والخطط والميزانية الكافية وبناء المنظومة التشريعية التي يجب أن تنهض بهذا القطاع لترتقي بالمستوى الحضاري لمساجدنا والخطاب الديني لتونس عامة.

أكتب هذا المقال، وإن لم يكن لقارئه من الثقة في أصحاب الشأن الديني والتونسي عامة، فلن يكون له من التأثير الإيجابي ولا يمكن أن نستفيد من خبرات بَعضنَا، بدون الثقة في بعضنا سوف يسود صوت التعصب والتشدد والانغلاق والإقصاء الذي لن ينفع مساجدنا ولن يزيد من علوم الشريعة ومعارفها إلا حصارا ومزيدا من الحصار، ونحن أصحاب الشأن الديني المسؤولون عن هذا القطاع إلى جانب كل المثقفين والمعتدلين من دعاة المصالحة مع هوية هذا الشعب ومخزونه الحضاري والديني.

المهدي بن حميدة
في 4 فيفري 2019

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات