fbpx

من سلطة الدولة إلى سلطة التنظيم (2\4)

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الأحد 3 جمادى الأولى 1441 الموافق لـ 29 ديسمبر 2019
  • 0
  • 648 مشاهدة
الأفغاني رشيد رضا حسن البنا

الحركة الإسلامية وسلطة التنظيم

لابد من التفريق بداية بين الدعوة والتنظيم، فالدعوة هي حركة إصلاحية انطلقت منذ القرن الثامن عشر مع عديد المصلحين سواء ما تعلق منها بالجانب الديني والعقدي (محمد بن عبد الوهاب) أو ما تعلق منها بالجانب السياسي (جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمان الكواكبي) أو ما تعلق منها بالإصلاح العلمي والتربوي (محمد رشيد رضا، الطاهر بن عاشور).

والتنظيم هو فكرة ذات مرجعية ثقافية وحضارية تأخذ طابعا عمليا وتنظيميا (سريا في الغالب) من أجل قيام كيان سياسي ما، ولقد كان السيد جمال الدين الأفغاني (1838 – 1897) هو اول من دعا -في العصر الحديث- إلى هذا النوع من التنظيم وذلك بالدعوة إلى فكرة الوحدة (الجامعة) الإسلاميّة بإصداره جريدة (العروة الوثقى)، وقد سميت باسم الجمعية التي أنشأتها، وهي جمعية تألفت لدعوة الأمم الإسلامية إلى الاتحاد والتضامن والتّنظُّم للأخذ بأسباب الحياة والنهضة، ومجاهدة الاستعمار.

  • الجامعة الإسلاميّة

كان من أكثر الناس التفافا حول فكرة الأفغاني (الجامعة الإسلاميّة) تلميذه محمد عبده (1849 – 1905) الذي زار تونس مرتين، فكانت زيارته الأولى من 10 ديسمبر 1884 إلى 4 جانفي 1885 حيث التقى بمجموعة من النخب الزيتونية بشكل سري وأخبرهم بجمعية العروة الوثقى وهم أساسا محمّد السنوسي وسالم بوحاجب ومحمّد بيرم الخامس، الذين كانوا النواة الأولى لتنظيم العروة الوثقى.

ثم عاد محمد عبده مرة ثانية إلى تونس في 9 سبتمبر 1903 والتقى بعدد كثير من شبان الحركة الوطنية منهم البشير صفر ومن العلماء الزيتونيين منهم الطيب النيفر وأحمد الشريف ومحمود بن الخوجة وسالم بوحاجب ومحمد الطاهر ابن عاشور، حيث كان الحوار والنقاش الذي دار بين الحاضرين هذه المرة أكثر عمقا ونضجا، بالنظر إلى تخلّي عبده منذ سنوات سابقة عن أفكار جمال الدين الأفغاني، فإنّه لم يثر في زيارته الثانية هذه إلاّ القليل من المناقشات السياسية ذات الطابع التنظيمي وقد ألحّ على مسألة الاصلاح الديني والتربوي، ولقد لقيت فكرة الإصلاح التربوي لمحمد عبده صدى ورواجا وتفاعلا في أوساط الطلبة الزيتونيين أكثر منها في مصر ولقد عبر عن ذلك إبان عودته إلى مصر.

واستمر الفكر الإصلاحي لدى الأوساط الزيتونية إلى أواسط القرن العشرين من خلال مجلة المنار التي تدعو للإصلاح الديني والاجتماعي للأمة وبيان أن الإسلام يتفق مع العقل والعلم ومصالح البشر وإبطال الشبهات الواردة على الإسلام وتفنيد ما يعزى إليه من الخرافات.

  • تنظيم الإخوان المسلمين

تأسست في مصر سنة 1928 جماعة أطلقت على نفسها “جماعة الإخوان المسلمين”، ومؤسس هذه الجماعة هو الإمام الشهيد حسن البنا الذي يروي في مذكراته فيقول: “كنا نسهر الليالي الطوال نبكي على ما آل إليه حال الأمة”…، فالشعور بالمسؤولية، أمام الفراغ (السياسي والثقافي والحضاري) الذي أصاب الأمة بعد سقوط الخلافة الإسلامية (العثمانية) سنة 1924 وتزعم الغرب (أوروبا وأمريكا) كأكبر قوة على وجه الأرض، هو الذي جعل الإمام البنا وإخوانه يفكرون ويعملون من أجل تأسيس هذه الجماعة.

انطلقت جماعة الإخوان المسلمين منذ اليوم الأول بفكرة إنشاء تنظيم\نواة صلبة ومُغلقة، ولقد ارتبط التنظيم بالدعوة منذ نشأتها، حيث تعتبر دعوة الإخوان المسلمين من أوضح الحركات الإسلامية منهجاً وفكراً وأكثرها اعتدالاً ويسراً على المستوى النظري، إذ تتلخص دعوة الإخوان المسلمين في الرسائل العشرين التي ألفها حسن البنا والتي ركّز فيها تصوره للإسلام والدعوة معا.

ثم على إثر حادث المنشية في 26 أكتوبر 1954، والذي تمثل في إطلاق النار على جمال عبد الناصر وقد تم اتهام الإخوان المسلمون بارتكاب هذه الحادثة، تمت محاكمة وإعدام عدد من قيادات التنظيم بعد مواجهة وحملة شرسة ضد الجماعة، وأصبح للفكر الإخواني خطان متوازيان بقيا يمارسان تأثيراً على فكر التنظيم عالمياً وليس مصريا فحسب، الأول رسائل الإمام حسن البنا، والثاني فكر سيد قطب، حيث انبثق عن كل فكر “تنظيمات إسلامية” قادت جماعات الإسلام السياسي على مدى القرن العشرين.

  • التخصّص والتنظيم

خلال مسيرة الإخوان الدعوية والتربوية والجهادية تبيّن للعديد من الوجوه الإخوانية المشهورة عدم القدرة على التوفيق بين التنظيم والتخصص، وأن التنظيم لا يستوعب التخصص (الدعوي أو العلمي) فخرج عن تنظيم الإخوان المسلمين كل من الشيخ محمد الغزالي وسيد سابق وصلاح أبو إسماعيل ويوسف القرضاوي لأن من انطلق للأمة وصار رمزا لها لا يقزم دوره وعلمه ليكون رمزا لتنظيم، فالتنظيم جزء والعلم والدعوة بحر لا حدود ولا ضوابط له.

وأصبح فيما بعد يُعرف الإخوان بالدعاة والعلماء وليس العكس، فلا يمكن أن نُعرّف الشيخ القرضاوي ولا الشيخ الغزالي بالإخوان وإنما يُعرَّف الإخوان بهؤلاء، وهذه سمة نجاح التنظيم في الحفاظ على تلك العلاقة الوطيدة بينه وبين “المتخصصين” من دعاة وعلماء أزهريين، وظلت هذه العلاقة وطيدة على مر عصور الإخوان وتقلبات التنظيم، ولعل هذه سمة خاصة بحركة الإخوان المسلمين دون غيرهم من الحركات خصوصا حركة الاتجاه الإسلامي والنهضة في تونس التي سوف نتطرق إليها بخصوص هذا الموضوع (التخصص والتنظيم) بأكثر شرح وتفصيل في الفصل اللاحق.

المهدي بن حميدة
في 29 ديسمبر 2019

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات