fbpx

من هو محمد عبو؟ القطرة التي فاضت بها كأس المعارضة في تونس

زوجة محمد عبو تتظاهر بجنيف للمطالبة بإطلاق سراح زوجها

من مواليد 1966 محمد عبو هو محامي ثائر على النظام البائد ساهم في تأسيس المجلس الوطني للحريات (تأسس سنة 1998) برئاسة السيدة سهام بن سدرين، والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين (تأسست سنة 2001) برئاسة الأستاذ محمد النوري، ظهر محمد عبو على الساحة الحقوقية على إثر مقال كتبه يوم 25 أوت 2004 ونُشر بعد يومين تحت عنوان “أبو غريب العراق وأبو غريب تونس” في إشارة للسجون التونسية التي يقبع فيها مئات سجناء الرأي والسجناء السياسيين. في 28 فيفري 2005 كتب محمد عبو مقالا آخر بعنوان “بن علي – شارون” نُشر في نفس اليوم على موقع تونس-نيوز والذي اعتُقل بسببه يوم 1 مارس 2005، حيث دخل محمد عبو من خلال هذا المقال في مقارنة بين شارون وبن علي في تاريخهم العسكري والإجرامي، بعد أن تسرّبت معلومة مفادها أن السلطات التونسية تعتزم توجيه دعوة لرئيس الكيان الصهيوني آرييل شارون لحضور فعاليات القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي من المزمع عقدها بتونس أيام 16-18 نوفمبر 2005.

تحرك على إثر اعتقال محمد عبو قطاع المحاماة بكامله، حيث اجتمع قرابة 200 محامي(ة) أمام قصر العدالة يوم 2 مارس لمساندة زميلهم الذي أحيل إلى السجن المدني 9 أفريل بالعاصمة في نفس اليوم، وفي يوم 4 مارس اجتمعت الهيئة الوطنية للمحامين برئاسة الأستاذ عبد الستار بن موسى وقرروا الدخول في إضراب ابتداء من 9 مارس 2005 احتجاجا على الاعتداءات التي مورست على قطاع المحاماة والمطالبة بإطلاق سراح زميلهم، كما أعلنوا عن تشكيل لجنة لمساندة والدفاع عن محمد عبو برئاسة الأستاذ عبد الرؤوف العيادي وعضوية الأستاذ العياشي الهمامي، وفي الغد 5 مارس 2005 انضم لهذا التحرك جمعية القضاة التونسيين برئاسة القاضي أحمد الرحموني الذي جمع عريضة أمضى عليها 80 قاضيا لمساندة الأستاذ محمد عبو.

تتالت الاعتداءات على المحامين خلال الأيام التي تلت اعتقال محمد عبو، وكان أبرزها اعتداء قاضي التحقيق بمكتبه على الأستاذ نجيب الحسني يوم 7 مارس 2005 مما زاد من أجواء الاحتقان فكان إضراب المحامين يوم 9 مارس ناجحا بنسبة 90% من أصل 1400 محاميا مسجلا بالهيئة.

هذا الزخم الحقوقي والنضالي والحراك الميداني الذي جمع المحامين والقضاة (إلى جانب السياسيين) في صف واحد للدفاع عن الأستاذ محمد عبو هو نتيجة تراكمات سابقة ونتيجة سياسة التضييق والهرسلة التي انتهجها نظام بن علي تجاه كل المعارضين بعد تصفية وتدجين كل الخصوم السياسيين منذ الحملة الشرسة التي انطلقت ضد الإسلاميين في 1990. وما محمد عبو في هذه المعركة إلا القطرة التي أفاضت كأس الضيم والظلم والاستبداد وكان قطاع المحاماة بكامله هو الجبهة المنظمة والمستقلة التي استطاعت أن تحمي نفسها من بطش السلطة حيث تقدم للدفاع عن محمد عبو بمكتب قاضي التحقيق 815 محاميا وهي حادثة الأولى من نوعها في تاريخ المعارضة التونسية.

يوم 17 مارس تم نقل محمد عبو إلى سجن الكاف، ونظمت هيئة المحامين يوم 18 مارس ندوة صحفية أعلنت فيها عن جملة من التحركات والزيارات الميدانية الدولية (دول أوروبية) للتعريف بقضية زميلهم والتحرك لفك الحصار على الحريات في البلد والمطالبة باحترام الحقوق المدنية والسياسية لكافة الشعب التونسي. وفي 5 أفريل انطلق المحامون في اعتصام مفتوح بدار المحامي المقابل لبهو قصر العدالة للمطالبة بإطلاق سراح محمد عبو ووقف الاعتداءات على السياسيين والحقوقيين.

حوكم محمد عبو يوم 28 أفريل 2005 بثلاث سنوات و6 أشهر سجنا نافذة، وكتبت وتحدثت عن محاكمته كل الصحف الدولية ووسائل إعلام مرئية ومسموعة مرموقة وصدرت بيانات منددة من قبل أغلب المنظمات الدولية المعنية بالحريات وحقوق الإنسان وبلغ الضغط السياسي والإعلامي والحقوقي على النظام التونسي بشكل لم يسبق له مثيل منذ انقلاب 7 نوفمبر 1987، بعد أن توجهت كل الأضواء الإعلامية والحقوقية لتسليط الضوء على مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير في بلد يعتزم استضافة قمة دولية حول مجتمع المعلومات في نوفمبر 2005.

 ظل الضغط متواصلا وقام أغلب النشطاء الحقوقيين التونسيين بزيارات إلى دول غربية (جنيف وباريس) لمزيد الضغط على النظام من أجل مزيد التعريف بالانتهاكات على حقوق الإنسان بالجملة والتفصيل، خرجت من ضمن هذه الوفود زوجة الأستاذ محمد عبو السيدة سامية عبو للتعريف بقضية زوجها، وكان أول ظهور للسيدة سامية عبو في جنيف في سبتمبر 2005.

في 24 جويلية 2007 أفرجت السلطات التونسية عن 21 سجينا سياسيا (من الإسلاميين) وكان من بين من تم الإفراج عنهم الأستاذ محمد عبو بعد أن قضى بالسجن سنتان و4 أشهر تقريبا، ثم انخرط محمد عبو في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية وظل يمارس نشاطه السياسي ضمن هذا الحزب جنبا إلى جنب مع المنصف المرزوقي والفريق الذي معه إلى أن قامت الثورة.

حوصلة

في قراءة سريعة لهذا المخاض الذي شهده قطاع المحاماة في تونس بين 2004 و2010 فإن محمد عبو هو القطرة التي فاضت بها كأس المعارضة التونسية بجميع أطيافها لجرأته وتحرره من كل الضغوطات المادية والمعنوية التي ربما كان يختلف بها عن زملاءه المحامين حيث كان لحمد عبو مصدر عيش حر (عمارة للكراء) إلى جانب مهنته في المحاماة مما ساعده على جراته على نظام بن علي فكتب المقالين الذين بسببهما اعتقل وانطلقت بعد ذلك مسيرته السياسية (منذ ذلك الاعتقال) حيث كان اعتقاله مناسبة لزوجته كي تدخل معترك الحياة السياسية وتمتلك تلك المهارات الكلامية والخطابية التي ساعدته بالتأكيد على تحسس مساره السياسي بكل استقلالية واعتداد بالنفس والمال.

بالمنظور السياسي والحزبي فإن محمد عبو لم يكن لديه مدرسة أيديولوجية أو خطا ثقافيا أو هوياتيا ينتمي إليه، وإنما جرأته كمحامي و”كاتب مارق” عن الخط العام للمعارضة (الحقوقية) آنذاك جعله يتصدر الصفوف ويجلب الأضواء، على عكس المنصف المرزوقي المناضل الحقوقي (العروبي والعلماني) الذي صدرت له عديد المؤلفات وبدأ منذ 2001 (تاريخ تأسيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية) يتلمس طريقا عقائديا (أيديولوجيا) ثالثا بين اليسار (الماركسي) واليمين (الإسلامي) جمع به صفوف وجوه عديدة من المعارضة التونسية الحقوقية والإعلامية ومن النخب العلمانية والإسلامية واليسارية المعتدلة كان محمد عبو من ضمنهم.

غير أن الطابع الشخصي العنيد لمحمد عبو وزوجته جعله يستقيل من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في 17 فيفري 2013 ويؤسس لحزبه “الاجتماعي الديمقراطي” يوم 6 أفريل 2013 والذي سماه “حزب التيار الديمقراطي”، ويمكنني القول بأن محمد عبو، بحسب مساره الذي تعرضت له بالتفصيل، لا يمتلك أرضية ثقافية وركائز عقائدية (أيديولوجية) تجعلنا نعرف موقفه من الغرب (فرنسا خصوصا) والدول الكبرى ونعرف موقعه من المواضيع والقضايا الكبرى التي تشغل الطبقة الفكرية والسياسية في تونس.

باستطاعتي القول أن  محمد عبو هو شخص وليس بتيار خدمته الظروف (قطاع المحاماة) زمن المخلوع وزاد على ذلك طابعه المزاجي والشخصي العنيد الذي لم يمكنه من أن يندرج ضمن أي من الكتل الإيديولوجية الكبرى (اليسار واليمين والوسط) فقرر أن ينفرد بحزبه الذي جعله مخضرما فلا هو باليسار ولا بالوسط ولا باليمين.

صدمة التيار

للذين هم مصدومون اليوم من مساندة “التيار الديمقراطي” للائحة تصنيف الإخوان المسلمين (في مصر) جماعة إرهابية، التي تقدمت بها “عبير موشي” عن الحزب الحر الدستوري للبرلمان في تونس، أقول لهم هوّنوا عليكم فقد عبّر “التيار” في السابق عن جوهر مواقفه من قضايا الأمة (الميراث، المثلية،…) وهي مواقف صادمة، ولو أتيحت الفرصة للتيار للتعبير عن مواقف أخرى بأكثر مبدئية لرأيتموه في صورة شيطان يمشي على وجه الأرض…

فالتيار اسم على مسمى، هو تيار (ريح) بدون ثوابت تشده إلى الأرض (الهوية والوطن)، يجري في كل الاتجاهات بحسب الرطوبة والحرارة والانخفاض والارتفاع، يهدأ عندما تنتفي أسباب انبعاثه وينبعث عندما تتوفر أسبابه، وجوهر أسباب انبعاث التيار هو الـego لمؤسسه.

كما أذكر السيد محمد عبو أن الشرارة التي انبعث منها هو شخصيا (ومنه جاء التيار) كانت مقاله حول انتهاكات أمريكا لحقوق الإنسان في سجون أبو غريب وإشارته إلى سجون بن علي حينها، ولو دخل السيد محمد عبو سجون السيسي في مصر لكان موقفه من “الإخوان المسلمين” مختلفا عما هو اليوم وهو في السلطة.

المهدي بن حميدة
في 4 جويلية 20
20

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات