fbpx

من يفصل بين التجاذبات السياسية ومحاربة الفساد؟

عندنا مسؤول سياسي في جنيف اسمه Pierre Maudet تحركت حوله قضايا فساد وتضارب مصالح غداة صعود نجمه خلال الانتخابات الأخيرة سنة 2018 واستطاع بموجبها هذا الأخير الحصول على أغلبية تمكنه من رئاسة حكومة جنيف.

منذ ذلك الحين تحركت الماكينات السياسية والحزبية والإعلامية وأظهروا له 4 قضايا فيها “قبول ميزة” «acceptation d’avantage» وتضارب مصالح واستئثار بالسلطة، وبعد ضغوطات وإثباتات خرج للإعلام واعترف بـأنه كذب فيما يتعلق بتمويل حملته الانتخابية، يعني الرجل اعترف بالخطأ.

تشكلت لجان داخل حكومة جنيف ولجان داخل الحزب الذي ينتمي إليه وكلهم أجمعوا على ضرورة استقالة السيد Pierre Maudet من الحكومة وتخلى عنه حزبه (الحزب الليبرالي الديمقراطي) الذي طلب منه الاستقالة، ولكنه رفض وأصر على تحكيم القضاء.

وإلى اليوم يرفض السيد Maudet الاستقالة برغم مرور ملفه إلى القضاء، وقال لن أستقيل إلا إذا صرّح القضاء بحكم في شأني، لماذا كل هذا الإصرار من السيد Pierre Maudet برغم “إجماع” كل السياسيين والحزبيين على وجوب استقالته؟ فقط لأنه يعتبر نفسه ضحية تجاذبات سياسية من رفاقه في الحكومة وأصدقائه من نفس الحزب وهو الذي جاءت به انتخابات شعبية نتيجة “نجاحاته الاقتصادية والأمنية” التي اعترف له بها الجميع.

وبالنظر إلى الصعود الصاروخي للسيد Pierre Maudet وإمكانية دخول “معركة قهر الرجال” على الخط السياسي، فأنا مع الفصل بين التجاذبات السياسية (الحسد) وبين محاربة الفساد، فليست كل القضايا التي تحوم حولها شبهات فساد (خصوصا في توقيت تحريكها) نسلم لها بالاستقالة من المنصب (خصوصا إذا تعلق الأمر برئاسة الدولة أو الحكومة او البرلمان)، فكما أن المسؤول السياسي يفسد ويتغول فكذلك الإعلام والأحزاب السياسية يمكن أن تفسد (بالارتشاء أو التواطؤ أو الحسد) وتتغول (بالتعسف باستعمال الحق)، ودور القضاء هنا هو الفصل بين محاربة الفساد وبين التلاعب بمؤسسات الدولة.

السيد Pierre Maudet ينتمي تقريبا لنفس العائلة الحزبية التي ينتمي إليها إلياس الفخفاخ من حيث التوجهات الاقتصادية (الحزب الليبرالي الديمقراطي) غير أن السياسي السويسري جاءت به الانتخابات وإلياس الفخفاخ جاء نتيجة الانقسامات الحزبية والتجاذبات التي تشهدها الساحة السياسية في تونس، والسؤال الذي يطرح هنا لماذا لم يظهر فساد في يوسف الشاهد (وهو الفاسد بالفعل والمنتمي لحزب فاسد وخرج من حزبه وأسس حزبا فاسدا آخر) وظهر الفساد في إلياس الفخفاخ (الذي انتمى لحزب نزيه وظل في نفس الحزب إلى اليوم). إذن المسألة حسب اعتقادي هي ليست محاربة فساد بقدر ما هي معركة سياسية وحزبية لا نريد إقحام مؤسسات الدولة فيها خصوصا إذا تعلق الأمر بمسؤولية سيادية في أعلى هرم السلطة السياسي.

فكم هو مؤسف أن ترتع عبير موشي في البرلمان وتحكم كما تشاء ويُطالب باستقالة الفخفاخ، وهذا لعمري من نكد الثورة التونسية، فالوحيدين الذين وقع التشدد معهم في الحكم هما: المرزوقي أمس والفخفاخ اليوم، المرزوقي ذهبوا به وأخرجوه من الحياة السياسية، ولن يهدأ لهم بال حتى يذهبوا بالفخفاخ، وأما بقية الفاسدين كلهم مازالوا في الحكم ولا يتكلم عنهم أحد (ابدأ بصاحبة الله أحد الله أحد بن علي ما كيفو حد وانت هابط) حتى ولو استهزأوا بالثورة وسبوا دستور البلاد؟…

المهدي بن حميدة
في 4 جويلية 2020

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات