fbpx

الشيخ محمد الطاهر بن عاشور

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الأربعاء 4 جمادى الآخرة 1441 الموافق لـ 29 يناير 2020
  • 0
  • 1901 مشاهدة
تفسير التحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور

1- آل عاشور: أصل هذه الشجرة الزكية الأول هو محمد بن عاشور، ولد بمدينة سلا من المغرب الأقصى بعد خروج والده من الأندلس فارا بدينه من القهر والتنصير. توفي سنة 1110هـ وقد سطع نجم آخر وهو الشيخ محمد الطاهر بن عاشور وهو جد مترجمنا، ولد سنة 1230هـ وقد تقلد مناصب هامة كالقضاء والإفتاء والتدريس والإشراف على الأوقاف الخيرية والنظارة على بيت المال والعضوية بمجلس الشورى.

ومن أشهر تلاميذه الشيخ محمد العزيز بوعتور والشيخ يوسف جعيط والشيخ أحمد بن الخوجة. والشيخ سالم بوحاجب والشيخ محمود بن الخوجة والشيخ محمد بيرم. ومن سلالة آل عاشور والد شيخنا الشيخ محمد ابن عاشور وقد تولى رئاسة مجلس إدارة جمعية الأوقاف ثم خلفه عليها “أبو النخبة المثقفة” محمد البشير صفر حيث عينته الدولة نائبا عنها في تلك المؤسسة وقد تدعمت الصلة وتمتنت بين الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الجد وتلميذه محمد العزيز بوعتور الوزير نتج عنها زيجة شرعية لابنة الثاني – محمد العزيز بوعتور – على ابن الأول – الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور الجد – وهكذا تمت أواصر هذه العائلة بالعائلات التونسية[1] وأخذت مكانها وارتبطت صلاتها فكانت شجرة طيبة زيتونة لا شرقية ولا غربية أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

2- مولده ونشأته (1879/1973)

بشّرت هذه العائلة الشريفة بولادة الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بالمرسى ضاحية من ضواحي العاصمة التونسية في جمادى الأولى سنة 1296 هـ الموافق لشهر سبتمبر 1879م[2].

نشأ الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في بيئة علمية لجده للأب قاضي قضاة الحاضرة التونسية وجده للأم الشيخ محمد العزيز بوعتور. ففي مثل هذا الوسط العلمي والسياسي والإصلاحي شب مترجمنا فحفظ القرآن الكريم حفظا متقنا منذ صغر سنه وحفظ المتون العلمية كسائر أبناء عصره من التلاميذ ثم تعلم ما تيسر له من اللغة الفرنسية[3].

ارتحل إلى المشرق العربي وأوروبا وشارك في عدة ملتقيات إسلامية. كان عضوا مراسلا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1956م، وبالمجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1955م. اشتهر بالصبر والاعتزاز بالنفس والصمود أمام الكوارث، والترفع عن الدنيا، حاول أقصى جهده إنقاذ التعليم الزيتوني وتصدى له بمعارفه ويقينه ولكن أيدي الأعادي تسلطت على هذه المنارة العلمية فألغتها سنة 1961م فتولى العلم بتونس وانزوى حتى توفي الإمام الشيخ رحمه الله يوم الأحد 12 أوت 1973م ودفن بمقبرة الزلاج بمدينة تونس رحمه الله تعالى وجعلنا خير خلف لخير سلف[4].

3- مسيرته الدراسية والعلمية

التحق الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بجامع الزيتونة في سنة 1303هـ/ 1886 م وثابر على تعليمه به حتى أحرز على شهادة التطويع سنة 1317هـ/1899م وسمي عدلا مبرزا. ابتداء من سنة 1900 م إلى سنة 1932 أقبل على التدريس بجامع الزيتونة والمدرسة الصادقية مدرسا من الدرجة الثانية فمدرسا من الدرجة الأولى سنة 1905م، ثم عضوا مؤسسا للجنة إصلاح التعليم بجامع الزيتونة سنة 1910م. التحق الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بالقضاء سنة 1911م فكان عضوا بالمحكمة العقارية وقاضيا مالكيا ثم مفتيا مالكيا سنة 1923م فكبير المفتين سنة 1924م فشيخ الإسلام للمذهب المالكي سنة 1932م، وقد باشر رحمه الله كل هذه المهام بمهارة ودقة علمية نادرة وبنزاهة وحسن نظر فكان حجة ومرجعا في ما يقضي به. سمي شيخ جامع الزيتونة وفروعه لأول مرة في سبتمبر سنة 1932م بعد أن اشترك في إدارة الكلية الزيتونية، ولكنه استقال من مشيخة جامع الزيتونة بعد سنة ( سبتمبر سنة 1933م ) ثم سمي من جديد شيخا لجامع الزيتونة في سنة 1945م. وفي سنة 1956م شيخا عميدا للكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين حتى سنة 1960م حيث أحيل إلى الراحة بسبب موقفه تجاه الحملة التي شنها بورقيبة يومئذ ضد فريضة الصيام في رمضان[5]. كان مقبلا على الكتابة والتحقيق والتأليف، فقد شارك في إنشاء مجلة السعادة العظمى سنة 1952م وهي أول مجلة تونسية مع صديقه العلامة الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله. ونشر بحوثا عديدة خصوصا في المجلة الزيتونية ومجلات مشرقية مثل هدى الإسلام والمنار والهداية الإسلامية ونور الإسلام ومجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة. كما نشرت له مجلة المجمع العلمي بدمشق. شارك في الموسوعة الفقهية التي تشرف عليها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت بمبحث قيم [6].

4- شيوخه

اكتسب الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ثقافة واسعة شملت التفسير والحديث والقراءات ومصطلح الحديث والبيان واللغة والتاريخ والمنطق وعلم العروض وأعمل فكره فيما حصله وتوسع في ذلك وحلله. فقد تخرج على أيدي ثلة من علماء عصره امتازوا بثقافة موسوعية في علوم الدين وقواعد اللغة العربية وبلاغتها وبيانها وبديعها إلى جانب قدرة على التبليغ ومعرفة بطرق التدريس والتركيز على تربية الملكات في العلوم ومن أشهرهم الشيخ محمد النجار والشيخ سالم بوحاجب والشيخ محمد النخلي والشيخ محمد بن يوسف والشيخ عمر بن عاشور والشيخ صالح الشريف رحمهم الله تعالى جميعا.

وإذا تصفحنا حياة هؤلاء الأعلام وجدناها حياة علمية زاخرة حافلة بجلائل الأعمال قد أعطوا الحياة التونسية عطاء جزيلا في الدين والاجتماع والأدب والسياسة وهؤلاء النبغاء وإن لم يتركوا مؤلفات ضخمة إلا أنهم تركوا تلاميذ شهدوا لهم بطول الباع في نقد الآثار والمناهج وتتبع الهنات اللغوية، وقد كان الشيخ بوحاجب أخصائيا في علوم اللغة والنحو والبلاغة والأدب.

والأستاذ عمر بن الشيخ ماهرا في الفقه والمنطق والكلام والفلسفة. والشيخ محمد النجار كان جامعا لشتى العلوم التي تدرس بجامع الزتونة.[7]

وهؤلاء العلماء الذين تتلمذ عليهم الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور كانوا ثمرة لمصلحين أسهموا الحياة التونسية إسهاما جليلا على شتى المستويات الأدبية والاجتماعية أمثال الشيخ إبراهيم الرياحي وإسماعيل التميمي والوزير خير الدين باشا صاحب أقوم المسالك والشيخ محمود قبادو. ولقد كان هؤلاء العلماء زعماء المدرسة الإصلاحية التونسية، وكانت فرعا مهما للمدارس الإصلاحية التي نشرت في العالم الإسلامي كالمدرسة الدهلوية والمدرسة الوهابية والمدرسة الأفغانية – نسبة إلى جمال الدين الأفغاني – وهذه المدرسة إلى جانب المدرسة المغربية تتفق مع مدارس العالم الإسلامي في الأسس والمبادئ وتختلف عنها في الأساليب والطرائق. بيد أنها تلتقي جميعا حول هدف موحد هو مقاومة التخلف المزري الذي تردى فيه المسلمون بالرغم من أن دينهم دين الفكر والحضارة والعلم والمدنية[8].

5- تأثره بمفكري عصره

لقد كان للحركة الإصلاحية التي تزعمها السيد جمال الدين الأفغاني وتابعها تلميذه الشيخ محمد عبده صداها البعيد في العالم الإسلامي، فقد فتحت بصائر الناس وحركتهم عن طريق مجلة العروة الوثقى والزيارات المتتابعة للبلدان الإسلامية من قبل الشيخين الأفغاني ومحمد عبده. وفي هذا النطاق تندرج زيارتَيْ الشيخ محمد عبده إلى تونس الأولى كانت سنة 1885م وكان عمر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ثماني سنوات. والأرجح أن مترجمنا لم يتطلع إلى هذه الآراء الإصلاحية بعد نظرا لصغر سنه.

أما الزيارة الثانية لمفتي الديار المصرية فكانت سنة 1903م/1321هـ وكان عمر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ثلاث وعشرين سنة وهو يشغل خطة مدرس من الطبقة الثانية وقد نجح في هذه الخطة في نفس هذه السنة[9].

فهو في مقتبل العمر وقد نضجت أفكاره وتشبع وقرأ كثيرا من آرائه، وتشوفت نفسه للقاء هذا المصلح الكبير. وتحقق له ذلك فقد حل محمد عبده ضيفا بالمرسى عند الوزير خليل أبو حاجب بقصره المعروف[10]. وقد عقدت مجالس علمية بين الشبخ محمد عبده وبين مفكري البلاد التونسيين. وكان الشيخ الأستاذ ابن عاشور لا يتخلف عنها وكان من بين الذين تقدموا للأستاذ الإمام باقتراح يطلبون فيه منه بأن يلقي درسا بالجمعية الخلدونية وكان عضوا بمجلسها الإداري، وقد كان له ذلك وألقي الدرس يوم الأحد 27 جمادى الثانية سنة 1321هـ/ 20 سبتمبر 1903م[11].

ولم يقتصر الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور على اجتماعه بمصلحي الشرق فحسب بل اجتمع بمفكري العالم الغربي من ذلك اجتماعه بالمستشرق اوبنهايم المعروف بمناهجه الفلسفية والدينية ومقارنة الأديان والمذاهب وأصولها ومبادئها. وله في هذا المجال باع ولقد فاجئني في كتابه » أليس الصبح بقريب « بإشاراته الباهرة إلى مفكري الغرب ونظرته لأفكارهم بعين النقد، يوحي إليك من خلالها أنه متمكن من اللغة الفرنسية على أقل شيء[12].

6- إصلاحاته ورؤيته للإصلاح

بدأ الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بمساعدة ثلة من الأنصار الأوفياء في تخطيط مراحل الإصلاح وتطبيق النظم التي يراها كفيلة بتحقيق الهدف الذي يصبو إليه للخروج بهذا المعهد العظيم من كبوته[13] بعد أن تكلم عن أساليب التعليم “الزيتوني” ومناهجه بلسان النقد في كتابه » أليس الصبح بقريب « الذي ألفه سنة 1907م – 1321هـ والذي ضمنه رؤيته للإصلاح وحدد فيه أسباب تخلف العلوم مصنفا كل علم على حدة واعتبر أن إصلاح حال الأمة لا يكون إلا بإصلاح مناهج التعليم والقيام على هذا الجانب، كتب كتابه هذا وعمره لم يتجاوز الخمسة وعشرين سنة مما يدل على أن هذا الشيخ الجليل كرس حياته للنهوض بالجامع الأعظم وبالتالي على مكمن الداء في تخلف الأمة، ولئن أحس الشيخ بجسامة المهمة والبون الشاسع بين واقع المسلمين وما وصلت إليه الأمم الغربية من امتلاك أسباب النهضة والرقي إلا أنه لم يدخر جهدا ولم يثن عزما في السير في هذا الطريق المليء بالأشواك.

لقد شملت عناية الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور إصلاح الكتب الدراسية وأساليب التدريس ومعاهد التعليم. وقد اهتمت لجان من شيوخ الزيتونة بتشجيع منه بهذا الغرض. ونظرت في الكتب الدراسية على مختلف مستوياتها وعمل الشيخ على استبدال كتب كثيرة كانت منذ عصور ماضية تدرّس وصبغ عليها قدم الزمان صبغة احترام وقداسة موهومة.

لقد حرص الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور على خاصتي التعليم الزيتوني : الصبغة الشرعية واللغة العربية وللوصول إلى هذا الهدف لابد من تخصيص كتب دراسية شهد لها العلماء بغزارة العلم وإحكام الصنعة وتنمية الملكات في التحرير ليتخرج من “الزيتونة” العالم المقتدر على الخوض فيما درس من المسائل وتمحيصها ونقدها. ولتحقيق هذه الأهداف دعا الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور المدرسين إلى التقليل من الإلقاء والإكثار من الأشغال التطبيقية. حتى تتربى للطالب ملكة بها يستقل في الفهم. ويعول على نفسه في التحصيل على ثقافته العامة والخاصة. وقد حث المدرسين على نقد الأساليب والمناهج الدراسية واختيار أحسنها أثناء الدرس ومراعاة تربية الملكة، بدل شحن العقل بمعلومات كثيرة قد لا يحسن الطالب التصرف فيها. فكانت دعوته للإصلاح ذات بعدي التنظير والتطبيق الميداني.

– تطور العلوم
يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في كتابه » أليس الصبح بقريب « – إيذانا منه بقرب النصر واستعادة الأمة مجدها وتخلصها من المستعمر الفرنسي الذي باغتها في عقل دارها- :” رأيت الذي يطمع في البحث عن موجبات تدلي العلوم يرمي بنفسه إلى متسع ربما لا يجد منه مخرجا في أمد غيره طويل، وأيقنت أن لأسباب تأخر المسلمين عموما رابطة وثيقة بأسباب تأخر العلوم”[14] . أحس الشيخ ابن عاشور بقيمة العلم في سبيل نهوض الأمة وحاول من خلال كتابه المذكور أن يقدم بديلا لما ساد في أوساط الجامع المعمور من مناهج لتدريس الطلبة العلوم الشرعية التي توارثها الأجيال أبا عن جد دون نظر وإعمال للرأي ومكنت الغرب بالتالي من استحكام سيطرته على العالم الإسلامي والقطر التونسي جزء منه.

وقبل أن يسرد سببين رئيسيين لتأخر العلوم ويزيد عليهما خمسة عشر سببا فرعيا، قدم نظرته إلى العلوم ورسم منهجه في التعامل مع العلم وأطواره، فقسم العلوم قسمين من جهة ثمرتها :

I- ما تنشأ عنها ثمرة هي من نوع موضوعات مسائله، كعلم النحو فثمرته تجتنى منه وهي ثمرة لفظية محضة.

II- ما يبحث عن أشياء لا لذاتها بل لاستنتاج نتائج عنها مثل علم التاريخ والفلسفة والهندسة النظرية وأصول الفقه وغيرها، فبالتاريخ يستعين مزاوله على عقل التجارب وتجنب مضار الحضارات والأخطاء التي وقعت فيها الأمم السابقة، والفلسفة تنير العقل وتدربه على فتح أبواب الحقائق وهاته الأشياء لا تقرأ في الفلسفة وإنما يتعودها الذهن في ضمن ممارساته ومثل ذلك علم البلاغة وجميع العلوم البرهانية النظرية، وأصول الفقه في فلسفة الاستنباط.

يضيف في كتابه » أليس الصبح بقريب « ليقول كلمته الحاسمة في التعامل مع العلوم بمنطق النقد والتطوير دون الخروج عن أدب الالتزام بمناهج القدماء من سلف الأمة، فيقول :” وإن أطوار العلوم في الأمة تشبه أطوارها في الأفراد ذلك أن العلم في الأمة كما هو في الفرد له أربعة أطوار :

1- طور الحفظ والتقليد والقبول للمسائل كما هي من غير انتساب بعضها من بعض ولا تفكر في غايتها بل لقصد العمل.

2- طور انتساب بعضها من بعض وتنويعها والانتفاع ببعضها في بعض.

3- طور البحث في عللها وأسرارها وغاياتها.

4- الحكم عليها باعتبار تلك العلل بالتصحيح والنقد وهو طور التضلع والتحرير.

– المسيرة النضالية

عُزز موقف الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بتسميته شيخا للإسلام المالكي سنة 1932م ثم بتكليفه في شهر سبتمبر من نفس السنة 1932م بمهام شيخ مدير الجامع الأعظم وفروعه فتيسر له الشروع في تطبيق آرائه الإصلاحية التي كانت شغله الشاغل[15] إلا أن الدسائس والمؤامرات التي كانت تحاك ضده من طرف معارضيه “الزيتونيين” من المتحفظين على خطواته الإصلاحية من جهة وأعدائه وخصومه السياسيين “زعماء الحزب الحر الدستوري الجديد” الذين شعروا بنفوذه وقبوله من طرف كل المحيطين به والدور الذي يمكن أن يلعبه في سحب البساط من تحت أرجلهم[16]من جهة ثانية جعلته يقدم استقالته في سبتمبر السنة الموالية 1933م. وفي سنة 1364هـ –1945م عيّن مرة ثانية شيخا للجامع الأعظم وفروعه وقوبلت عودة الشيخ بحماس فياض من طرف الأوساط الزيتونية والرأي التونسي بصفة عامة واهتز المعهد الزيتوني وفروعه سرورا فانتظمت عدة تظاهرات تكريما وارتياحا لعودة الشيخ بالعاصمة ومنها الاستقبال الحار الذي خصته به فروع سوسة والقيروان وصفاقس بمناسبة الزيارة التفقدية التي قام بها الشيخ ابن عاشور في ماي 1945م فور تسميته من جديد على رأس إدارة التعليم الزيتوني فانطلقت ألسنة الأدباء والشعراء بالقصائد الحماسية والأناشيد[17].

واستأنف الشيخ تطبيق برنامجه الإصلاحي فجعل الفروع الزيتونية تحت مراقبة إدارة مشيخة الجامع رأسا بعدما كانت ترجع شؤونها بالنظر إلى السلط الشرعية الجهوية . كما زاد الشيخ ابن عاشور في عدد الفروع الزيتونية الذي ارتقى في مدة سبع سنوات ( 1949 – 1956م ) من ثمانية إلى خمس وعشرين ( منها اثنان للفتيات في تونس وصفاقس ) وصار عدد تلامذة الزيتونة وفروعها يناهز العشرين ألف تلميذ في حدود 1956م[18].

كما امتدت شبكة فروع الزيتونة إلى القطر الجزائري بإنشاء فرعين في مدينة قسنطينة[19].

وحرص الشيخ ابن عاشور على أن يحسن من أوضاع الطلبة المعيشية والاجتماعية لهم لما له قيمة في رفع معنويات الطلبة الزيتونيين إزاء إخوانهم الميسرين، وأمام الضغوط من حولهم على القضاء على التعليم الزيتوني[20] والحيرة التي كان عليها أغلب أبناء الزيتونة والآفاق التي يمكن أن يرسموها لمستقبلهم، فأنشئت مطابخ ببعض المدارس مكنت الطلبة من تناول الطعام ثلاث مرات في اليوم بأسعار زهيدة . إلا أن ذلك لم يكن شيئا يذكر أمام البنايات القديمة وضعف مالية إدارة المشيخة وهي حقيقة عاشها كل الزيتونيين.

تجدر الإشارة إلى أن سلط الحماية حاولت تعطيل إنجاز برنامج الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بطرق متنوعة منها مقاومة إنشاء الفروع …وقد زاد تفاقم الوضع الظروف السياسية في البلاد وانعكاسها على الأوساط الزيتونية انعكاسا تسبب في اضطراب داخل الجامع. وبسبب تمسك الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور بمبدأ عدم الاستجابة لرغبة الأحزاب السياسية فاشتد الخلاف بينه وبين الوزارة في سنة 1950م [21]، خصوصا إثر رفض الشيخ ابن عاشور لطلب تلك الوزارة بطرد بعض الطلبة أعضاء صوت الطالب الزيتوني[22] المناهض للحزب. وقد قررت السلطة إبعاد الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور عن مباشرة وظيفته مع إبقائه في خطته وتكليف كاهيته الشيخ علي النيفر بإدارة المشيخة. وفي ستة 1956م عاد الشيخ ابن عاشور إلى مباشرة شؤون التعليم الزيتوني بعنوان شيخ عميد للجامعة الزيتونية من سنة 1956 إلى 1960م تاريخ القضاء على الزيتونة والتعليم الزيتوني.

7- كتاباته ومؤلفاته

كان أول من حاضر بالعربية بتونس في هذا القرن، أما كتبه ومؤلفاته فقد وصلت إلى الأربعين هي غاية في الدقة العلمية. وتدل على تبحر الشيخ في شتى العلوم الشرعية والأدب. ومن أجلّها كتابه في التفسير “التحرير والتنوير” موضوع بحثنا. وكتابه الثمين والفريد من نوعه “في مقاصد الشريعة الإسلامية”، وكتابه حاشية التنقيح للقرافي، و”أصول العلم الاجتماعي في الإسلام”، والوقف وآثاره في الإسلام، ونقد علمي لكتاب أصول الحكم، وكشف المعطر في أحاديث الموطأ، والتوضيح والتصحيح في أصول الفقه، وموجز البلاغة، وكتاب الإنشاء والخطابة، شرح ديوان بشار وديوان النابغة…إلخ.

ولا تزال العديد من مؤلفات الشيخ مخطوطة منها: مجموع الفتاوى، وكتاب في السيرة، ورسائل فقهية كثيرة[23] .

وقد قسمت مؤلفاته إلى قسمين منها مؤلفات في العلوم الإسلامية، وأخرى في العربية وآدابها [24]:

· العلوم الإسلامية :

1- التحرير والتنوير

2- مقاصد الشريعة الإسلامية

3- أصول النظام الاجتماعي في الإسلام

4- أليس الصبح بقريب

5- الوقف وآثاره في الإسلام

6- كشف المعطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ

7- قصة المولد

8- حواشي على التنقيح لشهاب الدين القرافي في أصول الفقه

9- رد على كتاب الإسلام وأصول الحكم تأليف على عبد الرازق

10- فتاوى ورسائل فقهية

11- التوضيح والتصحيح في أصول الفقه

12- النظر الفسيح عند مضايق الأنظار في الجامع الصحيح

13- تعليق وتحقيق على شرح حديث أم زرع

14- قضايا شرعية وأحكام فقهية وآراء اجتهادية ومسائل علمية

15- آمال على مختصر خليل

16- تعاليق على العلول وحاشية السياكوتي

17- آمال على دلائل الإعجاز

18- أصول التقدم في الإسلام

19- مراجعات تتعلق بكتابي : معجز أحمد واللامع للعزيزي

· اللغة العربية وآدابها :

1- أصول الإنشاء والخطابة

2- موجز البلاغة

3- شرح قصيدة الأعشى

4- تحقيق ديوان بشار

5- الواضح في مشكلات المتنبي

6- سرقات المتنبي

7- شرح ديوان الحماسة لأبي تمام

8- تحقيق فوائد العقيان للفتح ابن خاقان مع شرح ابن زاكور

9- ديوان النابغة الذهبي

10- تحقيق “مقدمة في النحو” لخلف الأحمر

11- تراجم لبعض الأعلام

12- تحقيق كتاب “الاقتضاب” للبطليوسي مع شرح كتاب أدب الكاتب

13- جمع وشرح ديوان سحيم

14- شرح معلقة امرئ القيس

15- تحقيق لشرح القرشي على ديوان المتنبي

16- غرائب الاستعمال

17- تصحيح وتعليق على كتاب “النتصار” لجالينوس للحكيم ابن زهر.

وقد عدد الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة المجلات العلمية التي أسهم فيها الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور، نذكر منها :

– السعادة العظمى

– المجلة الزيتونية


ومن الصحف والمجلات الشرقية :

– هدى الإسلام

– نور الإسلام

– مصباح الشرق

– مجلة المنار

– مجلة الهداية الإسلامية

– مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة

– مجلة المجمع العلمي بدمشق.

وقد شغل مهمة عضو مراسل لمجمعي اللغة العربية بالقاهرة ودمشق منذ سنة 1955م.


[1] ،الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي – مخطوطة للأستاذ محمد بن سلامة (المعمورة)، أحد تلامذة الزيتونة وهو تلميذ لشيخنا الفاظل محمد الطاهر ابن عاشور، أرسل لي هذه الدراسة مرقونة بالآلة الكاتبة، وحذف اسمه من أعلى الدراسة. وهو أستاذي لعلوم التربية الإسلامية بالمعهد الثانوي الذي درست فيه في تونس سنة 1984. وقبل ذلك كان مدرسي بالمدرسة الابتدائية، قبل تخرجه من الجامعة الزيتونية

[2] نقلا عن نشرية الكلمة الطيبة، السنة الأولى، العدد 12، محرم 1417، جاء فيها : الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور أصيل قرية بني خيار المشهورة بكثرة حفاظ القرآن وجودة حفظهم وكذلك نشير إلى اشتهار مدينة قربة بكثرة الحفظة.

[3] الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي

[4] نقلا عن نشرية الكلمة الطيبة، السنة الأولى، العدد 12، محرم 1417.

[5] جامع الزيتونة المَعْلم ورجاله – محمد العزيز ابن عاشور ص 125

[6] نقلا عن نشرية الكلمة الطيبة، السنة الأولى، العدد 12، محرم 1417.

[7] الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي

[8] الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي

[9] الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي

[10] كان هذا الوزير زوجا لأميرة مصرية فكان ذلك سببا لنزوله ضيفا بالمرسى

[11] الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور رائد الفكر الإسلامي

[12] انظر إشاراته على سبيل الذكر لا الحصر الصفحة 117، كتاب » أليس الصبح بقريب «

[13] جامع الزيتونة المَعْلم ورجاله – محمد العزيز ابن عاشور ص 121

[14] أليس الصبح بقريب ص 175

[15] جامع الزيتونة المَعْلم ورجاله – محمد العزيز ابن عاشور ص 115

[16] حاكوا له الدسائس بسبب مواقف اتهم باطلا باتخاذها فيما يسمى بقضية التجنيس – انظر المصدر السابق

[17] أنشد تلاميذه أناشيد مؤثرة منها ما أنشده صغار تلامذة فروع سوسة :

– أيها الطاهر أهلا بابن عاشور وسهلا- قد حللت الصفو حلا – وجرى دمع السرور

– أنت للعين ضياء – في اهتداء وارتياء – يا وريث الأنبياء ، أنت للمعمور نور (…)

[18] في هذه السنة حصلت تونس على استقلالها، وأصبح بورقيبة والحزب الدستوري يباشرون الحكم، مما سيخيف هذا الأخير المد الزيتوني الذي أحدثه الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور.

[19] جامع الزيتونة المَعْلم ورجاله – محمد العزيز ابن عاشور ص 123

[20] صرح مارسال ماشوال الممثل الفرنسي على النهوض بالتعليم في تونس قائلا أمام لجنة التفكير في إصلاح التعليم : » Cette «connaissance machinale d’ailleurs, du livre sacré, de quoi leur sert-elle dans ce monde ? De rien du tout انظر دراسة مشروع مارشوال – كراسات تونسية سنة 1986 – مختار عياشي

[21] وهي يومئذ بين يدي زعماء الحزب الحر الدستوري الجديد وبخاصة كاتبه العام صالح بن يوسف وزير العدل – جامع الزيتونة المعلَم ورجاله ص 124

[22] منظمة طلابية نقابية أسست سنة 1950م لها تاريخ عريق في التصدي لأعداء الزيتونة وعرف محمد البدوي كأهم الوجوه لها.

[23] نقلا عن نشرية الكلمة الطيبة، السنة الأولى، العدد 12، محرم 1417.

[24] نقلتها مجلة جوهر الإسلام عدد 3 –4 السنة العاشرة. 1978م ( في عدد خاص بالشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ).

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات