fbpx

لا تنسبوا الحداثة إليهم …

  • عماد العبدلي الكاتب: عماد العبدلي
  • الأربعاء 4 جمادى الآخرة 1441 الموافق لـ 29 يناير 2020
  • 0
  • 833 مشاهدة
مظاهرة مساندة للجنة الحريات والمساواة تونس

استغرب من السياق العام الذي يطلق صفة الحداثي على كل مغترب بالفكر و كل ناكر لأصوله الحضارية وكل مقلد اعمى للحضارة الغربية (اليهودية المسيحية judéo-chrétienne وهم يصرون على تسميتها هكذا مثلا لما يتعلق الامر برفض عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي).

فالحداثة مفهوم فلسفي عميق و معقد لا يمكن ان يتصف به من لم يقرا في حياته كتابا وكل من وضع على عقله غشاوة من الحقد على الاصول التاريخية و الحضارية للامة و التطرف العلماني، وكل من يتموقع ايديولوجيا داخل المنظومة اليسارية التي ترفض التجديد (و تتكلس اكثر من التكلس الفقهي لداعش) او داخل النمطية البورقيبية القائمة على الاستبداد و احتقار الذات و الاصول و على التماهي التام في الاخر الى حد الذوبان (وذلك بعد ان وفرت له فرنسا فرصة العيش منفيا في اراضيها (هههه) حتى يتم قولبته لتحمل العهدة ما بعد الاستعمارية/ هههه).

ليس لهؤلاء من الحداثة شيء، فالحداثة عندهم عري و استفزاز للضمير الجمعي و المقدسات وبدع تصدم الشارع البسيط (كما وقع من اسفاف تجاوز كل الحدود في جنازة لينا مهني، و الحال ان جنازات “المشاهير” في اوروبا تبدا من الكنيسة و تتبع طقوسا فيها اقدار كبيرة من الهدوء و”الخشوع” واحترام عظمة الموت التي لا ينكرها الا هؤلاء الحمقى الذين يلوثون هواءنا) وسعي محموم لرفض كل ما يتصل بدين البلاد و العباد حتى قبل الاطلاع على فحواه او حتى الاستعلام عنه بالحد الادنى.

اتذكر ان الاستاذ الجامعي الطاهر لبيب كان يشتم اليساريين (بشكل مقذع لا اريد الدخول في تفاصيله) لأنه كان يدرس انطونيو غرامشي كمادة رئيسية (علم الاجتماع الثقافي) و ينصدم في نهاية السنة بان اليساريين فشلوا في هذه المادة التي تدور على مراجعات فلسفية عميقة للمنظومة اليسارية من خلال اشكالية دور المثقف او حصلوا فيها على اعداد ضعيفة مقابل اليسر و السهولة التي كان يجدها طلبة “الاتجاه الاسلامي بالجامعة” في تحقيق معدلات قياسية في هذه المادة و غيرها من المواد الفلسفية المعقدة التي كانت تدرس جزئيا بلغات اجنبية.

و لي غرائب اخرى لا يتصل المقال لذكرها من نقاشي الذي لم ينته مع هؤلاء (ومع من يدينون لهم بالولاء الحضاري على حساب امتهم) الى حد اليوم، و خلاصتها ان الحداثة المزعومة ليست الا غطاء للتنصل من جلودهم (واقصد الارض و الشعب و الدين و اللغة التي ولدوا في احضانها) و الافلات اللاإرادي احيانا من الشعور بالدونية الحضارية و الولع المرضي بتقليد الغالب (وهو الغرب عندهم) اقتباسا لمقولة ابن خلدون بان المغلوب مولع ابدا بتقليد الغالب …

لا تسموهم لا حداثيين و لا ديمقراطيين و لا تقدميين/ فليس لهم من ذلك شيء:

فلا حداثة لهم لانهم يعيشون حقيقة داخل انفاق من الجهالة الجاهلة التي يغطونها شكلا بكل شعاراتهم الزائفة التي لا يبدو عليهم احيانا انهم يفهمون دلالاتها.

و ليسوا ديمقراطيين لانهم كانوا و لا زالوا ابواقا للاستبداد و الاستعمار و لم يتركوا مستبد قاتلا الا وكانوا سحرته و كهنته.

و ليسوا ايضا تقدميين لانهم يسيرون ضد حركة التاريخ و لا يدركون تعقيدات المشهد الفكري و الفلسفي الحالي و ما قطعته العقول المؤثرة من خطوات عملاقة في ابداع اسئلة حضارية يصعب عليهم حتى فهم نصها.

رجاء، انكم تسلمون لهم بما ليس فيهم، فالحداثي هو الذي يعيش عصره بالتواصل المتزن مع اصوله و تاريخه، و بالتواضع امام العلم الانساني (خاصة في مجالات الفلسفة و العلوم الاجتماعية) وما يستحدثه البشر في كل يوم من حلول لتجسير الخلافات الانسانية بمقترحات صادقة و خلاقة، ومن يمارس النقد البناء على مدار الساعة متجاوزا الاثنينيات الوهمية ومدركا لتعقيدات الوضع الانساني لا تستوعبها التصنيفات الجامدة ولا الحلول الجاهزة المعلبة المستوردة من الخارج.

عماد العبدلي / 29 جانفي 2020