لن تكون للمسلمين دورة حضارية ثانية، حتى يميزوا بين الفرقان والقرآن، فالفرقان هو الآيات (كل الآيات المتضمنة في المصحف) التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية بعد آية لتثبيت النبي والمؤمنين، وعندما احتج المشركون على عدم نزول القرآن جملة واحدة (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) رد الله تعالى عليهم بأن القرآن نزل مفرقا وليس جملة واحدة وعلل ذلك بتثبيت فؤاد النبي وتوجيه الرسالة (وَقُرْءَانًا فَرَقْنَٰهُ لِتَقْرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍۢ وَنَزَّلْنَٰهُ تَنزِيلًا) على مُكث أي على مهل وبطء ليحاكي الواقع اليومي للمسلمين يوما بيوم ولحظة بلحظة.
وجل آيات التشريع نزلت مفرقة آية بعد آية في حق اليهود (شرعة التوراة) ولم تنزل في حق المسلمين، والقليل من التشريع الذي نزل في حق المسلمين جاء فرقانا ولم يأت قرآنا.
وقبل انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى راجع جبريل عليه السلام مع النبي صلى اله عليه وسلم القرآن مرتين (على عكس العادة بأن يراجعه معه مرة كل شهر رمضان) بأن أعاد جبريل ترتيب آيات القرآن وذلك بأمر توقيفي من الله تعالى، إلى أن جعله قرآنا يتلى إلى يوم القيامة على الشاكلة التي وصل إلينا والتي تكفل الله تعالى بحفظها (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ).
فالقرآن الذي أعيد ترتيب آياته وجُمع في صحائف وصلت إلينا اليوم هي القرآن الكريم والذي نزل منجّما على النبي ص طيلة 23 سنة هو الفرقان، وبين الفرقان والقرآن آيات للعالمين (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، و(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ، لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).
المهدي بن حميدة
لوزان في 26 مارس 2022
