اليوم بعد مرور عشر سنوات على «ثورة الحرية والكرامة»، لم تستفد تونس من تجاربها السابقة ولم تنصف مناضليها وعلمائها ورجالاتها في الفكر والسياسة والأدب والشعر وحقوق الإنسان. لقد احتفلت تونس مؤخرا بذكرى «الاستقلال» ولم تذكر الشيخ عبد العزيز الثعالبي ولو بكلمة والحال أنه الرجل المؤسس للحزب الحر الدستوري منذ 1920، فضلا على أن تذكر كتاباته ومؤلفاته في الفكر السياسي والتاريخ والسيرة النبوية العطرة، ولقد كان لمقالات هذا الرجل ومؤلفاته ورحلاته الفضل في انبعاث الحركة الوطنية وإشعاعها على المستوى العربي والإسلامي والأوروبي، بعد أن سخّر عصارة فكره على ربط تونس بموروثها الحضاري والإنساني.
اليوم وفي هذا العصر الذي أصبحت فيه «علّيسة» و«الكاهنة» و«كُسيْلة» و «شكري بلعيد» و «الصغير أولاد حمد» و «لينا بن مهني» رموزا في بلد عقبة ابن نافع وأسد ابن الفُرات والإمام سحنون وابن خُلدون، تُقام لهم المشاهد والنُّصب ويُستشهد بهم لإثبات هُويّة تونس، أبيت إلا أن أنشر هذه الدّراسة في تقديم كتاب «تفسير التحرير والتنويرلابن عاشور» بعد 20 سنة من صدور الطبعة الأولى، للتنبيه من المنزلقات التاريخية الخطيرة التي تصيب كثيرا من الأمم، فتنحرف عن مسار التصحيح وتجد نفسها -مثل تونس- قد أضاعت فرصة أخرى -بعد فرصة «الاستقلال»- في التصالح مع تاريخها وهويتها ورجالاتها الذين قدموا لهذه الأمة وفَدَوْها بدمائهم وعقولهم وأوقاتهم، وعلى رأس هؤلاء الأبطال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور موضوع هذه الدراسة.
أعدت طبع هذا البحث بعد أن قمت بمراجعة وتحيين بعض المراجع وإصلاح بعض الجُمل والتواريخ، وهو عمل وجهد أكاديمي أعددته في إطار دراستي بالكلية الأوروبية للعلوم الإنسانية بشاطو-شينون بفرنسا سنة 2000 اختصاص شريعة وأصول الدين. وأهدي هذه الطبعة لروح والدي محمد بن حميدة وأستاذي محمد بن سلامة رحمهما الله الذان كان لهما الفضل في الحصول على هذه النعمة، نعمة القراءة والكتابة والبحث.
المهدي بن حميدة
لوزان في 9 أفريل 2021
العنوان: تقديم تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور مع ترجمة للمؤلف
المؤلف: المهدي بن حميدة
الناشر: دار عاتكة للنشر-لوزان – سويسرا
عدد الصفحات: 87 صفحة
ملف التحميل: 56.5mb/ PDF
