fbpx

واصلوا في نهج الإقصاء، فسوف تجنوا الخراب لا الإنماء

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الأثنين 7 جمادى الأولى 1432 الموافق لـ 11 أبريل 2011
  • 0
  • 35458 مشاهدة

لقد من الله على البلاد بهذه الثورة وهذا الحلم الذي فاجئني وفاجأكم، ولم أكن احلم أن أعود إلى البلاد معززا مكرما كما لم تحلموا انتم أن تعودوا إلى الضوء بعد 20 سنة من الظلمات والظلم والقهر الذي سلط علي وعليكم وعلى البلاد.

لقد صبرت على ظلم السلطة 20 سنة وتهجرت ولم أحس يوما واحدا بالغربة عن بلدي، بل عشت مدافعا عن حقوق الإنسان في بلدي ومن خلال هجرتي وعملت في حقل الدعوة وما رست حياتي الطبيعية منذ خرجت من تونس ولم أشعر بظلم بن علي سوى بعض اللحظات العابرة التي لا تعد بمقياس زمن الهجرة.

وأول ما عدت إلى تونس، عادت بي العزيمة إلى يوم خرجت من تونس ولم أعتبر نفسي غريبا أو أجسما مسقطا أو أجنبيا عن بلدي ولم يخطر ببالي لحظة أن أعامل أنني جسم أجنبي، والحال أني لم أختر هذه الهجرة طواعية ولا خرجت من اجل امرأة أنكحها أو دنيا أصيبها، بل فررت من الظلم والحال لا يخفى عليكم، ولكن يبدو أن آفة النسيان عند البعض كانت أقوى مما تصورته، أو مرض التناسي كان أفحل مما توقعته.

عدت ومعي شعور بالانتماء وعزيمة للبناء، بكل رواسب الماضي وسلبيات الهجرة وإيجابياتها، ولا أحد خلت عليه هذه العشرون سنة من رواسب سلبية كما لا يمكن أن يكون لم يحصل فيها على محصلة إيجابية وغنم منها ما سهل الله عليه أن يغنم.

ولكي لا أستبق الأحداث ولا تسبقون أنتم الأحداث حاولت أن أجد قاعدة مشتركة ننطلق منها سويا، وحتى لا أعتبر نفسي أو أدعي عليكم علما زائدا أو تعتبرون أنفسكم أزيد مني بشيء، حاولت أن أجد معكم قاعدة مشتركة للعمل تمثل الحد الأدنى من اجتماع الكلمة ووحدة الصف ومقومات العمل الجماعي الذي تعودنا عليه في المعمورة منذ نشأنا ونشأت الجماعة. فكان ذلك اللقاء في دار شوقي للبحث عن هذا الحد الأدنى، ولكن لم يسهل الله أن نكمل المشاورات والحوارات، ولا أريد أن أستبق الأحداث أو أدخل في قذف التهم، ولكن يمكن لي أن أحلل ما حصل بما توفر عندي من معلومات استقيتها من واقع الحال المعاش خلال هذين الشهرين منذ تركت فيها البلاد أو بعد 3 أشهر من الثورة.

لعلنا في ذلك اللقاء لم نكن على نفس المستوى من التفكير والأرضية فهناك من هو جالس معنا بجسمه وعقله منشغل بما يمكن أن يضفر به من اقتسام “كعكة الثورة”، فذهب بدون استشارة احد لتأسيس جمعية او تكوين لجنة أو تغيير واقع مراهنا في ذلك على مناخات أفرزتها ثورة ليس لي ولا لك ناقة ولا جمل في انبعاثها، فكما أسقطت أنا عليكم من مهجري وجاءت بي الثورة إلى بلدي كذلك أخرجتكم انتم الثورة من جحور حياتكم اليومية وكهوف الركض وراء دنيا المال والعمال كما الحال عند الجميع.

ولئن اختلفنا في بعض المواضيع التي تهم الحركة، ولكن ليس ذلك هو المهم، لأني بدعوتي لتفادي موضوع الحركة أردت أن أجمع أكثر ما يمكن لأن الحركة مهما كان رصيدها وزخمها الفكري أو العقائدي أو الجماهيري، لا يمكن أن تجمعنا كلنا، فرأيت أن أكثر ما يجمع شتاتنا هي الجماعة التي عرفنا بعضنا من خلالها قبل أن نعرف الحركة أو تعرفنا.

واقترحت في هذا الصدد أن نعمل من خلال الجماعة حتى أجد معكم موضعا للعمل (لأنني مستبطن موقفي من الحركة الذي لم أشأ أن أجهر به عليكم والحال أن المرحلة لا تتطلب ذلك وليس المجال مجاله)، كما يمكن لآخرين أمثالي من المعمورة أو من الجماعة أن يجدوا موقعا لهم والحال أنه لا يمكن أن نفرض الحركة عليهم. لذلك حاولت أن الم شعث الجماعة التي ليس مجبور علينا أن يكون عملنا فيها بنفس أشكال العمل الذي كنا عليه ولكن الفكرة العامة هي العمل في إطار “جماعة المعمورة” وبعد ذلك يأتي التفصيل من هي الجماعة ومن هم مديروها وما هو خطابها وغير ذلك من التفصيلات ولكن الأكيد عندي أن العمل في هذا الإطار هو الأنسب للم شمل الجميع وعدم حرمان احد من العمل والمساهمة في بناء البلد.

ولكن ما راعني إلا أن وجدت حسما في بعض الأشخاص، ولا أريد أن أذكر أحدا، فقط سأدافع عن نفسي في هذا المنبر، لأني وجدت إخوة يتعاملون معي بمنطق الإقصاء والإبعاد، والأغرب من ذلك يعتبرونني ناقص المواطنة وهذا الخطير في حكمكم، لأننا لو دخلنا في هذه الاتهامات لكتبت فيكم جريدة من التهم بالاغتراب والغربة والعزلة وانتم في بلدكم، لا أن تتهمونني أنا بالغربة وأنا بعيد عن وطني…

فليس بدافع اختلافنا في موضوع أو اثنين أو أكثر أعامل بهذا الإقصاء، فالمعمورة بلدي أحببتم أم أبيتم لأن هذا معطى تاريخيا ومدنيا وبيولوجيا خارج عن نطاقي ونطاقكم، وبرغم أنفي وأنوفكم، ونكران هذا المعطى هو مسخ لطبيعة البشر واستقواء على الطبيعة ومن أراد أن يتقوى على الطبيعة فليس له إلا أن يتكسر.

وكما قلت في بداية حديثي لم أشعر بغربة برغم هذه العشرون سنة التي أمضيتها في المهجر ولكن يوما واحدا من الظلم والإبعاد من عشيرتي وأبناء بلدي هو أثقل علي من الجبال الرواسي، وظلم ذوي العشيرة أشد وأقوى، ولقد جرب بن علي الظلم ولكن لم ينفعه وطرد من البلاد بفضل دعوات المظلومين والمحرومين، أما أن تظلموني انتم باستحواذكم انتم على البلاد وامتلاك حق توزيع شهادات في المواطنة الكاملة فهو أشد من ظلم الطغاة واكبر…

ولقائل منكم أن يقول كيف حرمناك من حق المواطنة؟ ومن نحن لكي نحرمك من هذا الحق؟ وبلدك أمامك يمكنك أن تزور اهلك متى تشاء… أقول وبكل بساطة لم أعش في المعمورة من أجل نفسي وأهلي فقط، ولقد استحوذتم على المعمورة واقتسمتموها بينكم وحولتموها حرب قبائل وعشائر وعائلات ودعاوى جاهلية بقصد أو بدون قصد، فأحيانا يظل المرء يعمل بنية صادقة ولكن عمله مجانب للصواب تماما، وشرط قبول العمل ليس الإخلاص والنية فقط وإنما الصواب أيضا، وانتم جانبتم الصواب في طريقتكم في العمل واعتباركم لي أنني أجنبي…فكل الإخوة (في سويسرا على الأقل) عادوا إلى بلدانهم معززين مكرمين وعادوا إلى مواقعهم التي تركوها لما خرجوا من تونس ولم يقل لهم احد أنكم أجانب أو عودوا من حيث أتيتم أو وصفوهم بأنهم ناقصو المواطنة… قد يكونوا محظوظين لأنهم لم يتخذوا أي موقف من حركة النهضة لذلك لاقوا كل القبول من عشيرتهم وأهلهم، فإن كان هذا هو السبب فرب عذر أقبح من ذنب ويا خيبة المسعى، تطردونني من المعمورة لأنني أخذت موقفا من النهضة، واستعجلتم الأمر ولم تسمعوا مني وسقطتم في هيام الحب الأعمى لهذه الحركة (وهو حزب سياسي وليس حتى حركة إسلامية تجمع الجميع) لتطردونني وتحرمونني من حقي في العمل في المعمورة، فلعنة الله والملائكة تلحق بهذه الحركة وهذا الحزب إن كان الولاء له مقدم على حق الأخوة والمودة التي بيننا، وإن الله لسائل عن عشرة ساعة فبماذا ستجيبون ربكم يوم القيامة، بولائكم للنهضة؟

ثم إني لم أتخذ أي موقف من النهضة بعد، ولكن لا تنتظروا مني أن أبيع ذمتي في سوق الذمم الرخيصة من أجل موقفي من هذا الحزب أو ذاك وإنما أبحث عن الإخوة التي بيننا والتي بموجبها فقط أخاطبكم بهذا الخطاب…وما يحصل من اختلافات على الفايسبوك أمام الملأ مردها هذا الظلم وهذا الإقصاء الذي لن تجنوا منه إلا الخراب والدمار لا الإعمار والنماء لأن الظلم ظلمات يوم القيامة…

لقد أحسست من خلال المكان الذي حددتموه لي أني ليس لي من المعمورة سوى شهر اصطياف على شواطئ المعمورة أقضيها في كل عطلة صيف ثم أعود إلى بلدي (سويسرا) ولا ادخل أنفي في شؤون المعمورة، فتعسا لهذا الدور الذي أعطيتموه لي، أو تتوقعون أن أعود لكم سائحا في كل صيف؟ لقد عشت طول عمري من اجل قضية وهي بلدي وظللت أعيش في سويسرا أدافع عن حقوق الإنسان في تونس ولم أتوقف لحظة عن أداء هذا الدور لكي تأتوا أنتم وتحددوا لي مهمة الاصطياف وعدم إدخال نفسي في شؤون البلدة بحجة أنه غير ممكن عمليا أو لست ملما بالواقع أو غيرها من التراهات التي لا تنطلي حتى على الصبي… ولا تدرون أنكم بهذا الموقف، حتى هذا الشهر من الاصطياف حرمتموني منه لأنني تأكدوا لن أضع رجلي في المعمورة لغاية هذا الهدف الدنيء (شهر في السنة للاصطياف).

فلا تزيدوا من فضائحنا واقتسامنا على ملأ من الناس ومسمع ومازلت أرجو من الإخوة أن يراجعوا مواقفهم ويرفعوا أيديهم عن هذه الكعكة الدنيئة، فالأعمال توزن بالصدق والبناء الطويل لا بالجري وراء الغنيمة من يغنم أكثر من الآخر، وأن يشركوا ويشاوروا الجميع وأريد أن أعامل وكأنني بينكم في المعمورة، ولقد جربنا الظلم مع بن علي وانه لا ينفع فلا تنتظروا من هذا الإقصاء عمرانا وعدلا ورخاء للبد والبلدة.

المهدي بن حميدة
سويسرا في 11 أفريل 2011

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات