fbpx

خطاب في تعدد الزوجات

المرأة التونسية أصالة وحداثة

الطريقة القيروانية في الزواج

ذكر الدباغ في معالم الإيمان أن الأمير عبد الرحمن بن حبيب بن عقبة ابن نافع الفهري ناط قضاء القيروان سنة 132 هـ بجميل بن كريب المعافري، فكان هذا القاضي عادلا منصفا لا تأخذه في احكامه لومة لائم، فبينما هو جالس ذات يوم للخصوم بجامع القيروان إذ حضر لديه تابع لامرأة الأمير عبد الرحمن بن حبيب وعرض عليه نيابة على مولاته قضية في زواجها وهي انها كانت اشترطت على الأمير عند البناء بها انه مهما تسرّى عليها بغيرها كان امرها بيدها، وبعد ان أثبت التابع وكالته عند القاضي أخذ استدعاء للأمير فامتثل عبد الرحمن لذلك وشخص بين يدي القاضي مع التابع كسائر الخصوم، ولما سأله على القضية أقر بالتسري واعترف بالشرط الواقع بينه وبين زوجته، فأشهد عليه القاضي عندئذ من كان حاضرا من الشهود ثم التفت للتابع وأبلغه أن امر الأميرة بيدها إن شاءت أقامت وإن شاءت طلقت نفسها، فرفع الأمير عبد الرحمن يده إلى السماء وقال: “الحمد لله الذي أراني قاضيا يحكم فيّ بالحق”.

غير أن الشيخ ابن الدباغ الناقل للحكاية لم يعلمنا فيما رواه إذا كانت زوجته الأميرة خيرت البقاء او الطلاق. وذكر حسن حسني عبد الوهاب في كتاب “شهيرات التونسيات” تعليقا على هذه الرواية انه لم تزل العادة جارية من ذلك العهد إلى الآن بالقيروان بتبرع الزوج لزوجته عند انعقاد النكاح في كونه راضيا لها بعدم التزوج عليها بامرأة ثانية، وقد ينص عادة في نفس رسم الصداق بان الزوجة لها الحق في تطليق نفسها متى تزوج عليها بغيرها، وهو ما يُعرف في القطر التونسي بالطريقة القيروانية في الزواج، ولذا قلما وُجد في القيروان من تعددت أزواجه.

حسب الرجل الواحد المرأة الواحدة

لما كان في بعض الأيام استدعى المعز لدين الله[1] الفاطمي في يوم شاتٍ عدّة من شيوخ كتامة[2] فدخلوا عليه في مجلس بقصر المنصورية – حذو القيروان- قد فرش باللبود وحوله كساء وعليه جبة صوف وحوله أبواب مفتحة تفضي إلى خزائن كتب وبين يديه دواة وكُتب، فقال:

“يا إخواننا، أصبحت اليوم في مثل هذا الشتاء والبرد فقلت لأم الأمراء[3] – إنها الآن بحيث تسمع كلامي- أترى إخواننا يظنون أنا في مثل هذا اليوم نأكل ونشرب ونتقلب في المثقل والديباج والحرير والفنك والسمور والمسك والخمر والغناء كما يفعل أرباب الدنيا؟ ثم رأيت أن أنفذ إليكم فأحضرتكم لتشاهدوا حالي إذا خلوت دونكم واحتجبت عنكم، وإني لا أفضلكم في أحوالكم إلا بما لابد لي منه من دنياكم وبما خصني الله به من إمامتكم، وإني مشغول بكُتب ترد علي من المشرق والمغرب أجيب عنها بخطي، وإني لا أشتغل بشيء من ملاذ الدنيا إلا بما يصون أرواحكم ويعمّر بلادكم ويذلّ أعداءكم ويقمع أضدادكم، فاعملوا -يا شيوخ- في خلوتكم مثل ما أفعله، ولا تُظهروا التكبّر والتجبّر فينزع الله النعمة عليكم وينقلها إلى غيركم، وتحنّنوا على من ورائكم ممن لا يصل إليّ كتحنّني عليكم، ليصل في الناس الجميل ويكثر الخير وينتشر العدل، واقبلوا بعدها على نسائكم والزموا الواحدة التي تكون لكم، ولا تشرهوا إلى التكثّر منهن والرغبة فيهن، فيتنغّص عيشكم وتعود المضرّة عليكم وتُنهكوا أبدانكم وتذهب قوتكم وتضعف نحائزكم[4]، فحسب الرجل الواحد الواحدة، واعلموا أنكم إذا لزمتم ما انا آمركم به رجوت أن يقرب الله علينا أمر المشرق كما قرب أمر المغرب[5]، انهضوا رحمكم الله ونصركم”[6].


[1] معد المعز لدين الله، المعز أبو تميم معدّ بن منصور (المهدية حوالي 932م – القاهرة 975م) هو رابع الخلفاء الفاطميين في إفريقية وأول الخلفاء الفاطميين في مصر، والإمام الرابع عشر من أئمة الإسماعيلية حكم من 953م حتى 975م.

[2] كتامة هي قبيلة أمازيغية بربرية تسكن في المنطقة الشرقية من دولة الجزائر الحالية، في منطقة القبائل وما حولها والجزء الشرقي للجزائر. عرفت القبيلة من قبل الرومان باسم أوكتامنوروم ومن قبل البيزنطيين باسم أوكتوماني، ولقد كان لهذه القبيلة الأمازيغية في العصور الوسطى 909م – 1171م دور حاسم في تاريخ العالم الإسلامي، فقد ساهموا بدعوة عبيد الله المهدي في تأسيس الدولة الفاطمية، وساهموا في فتوحاتها فكان الخلفاء الفاطميون يعتمدون في أغلب جيوشهم على أفراد قبيلة كتامة، إلى أن أصبحوا فيما بعد ذلك عصبة الحكام الفاطميين وأصحاب دولتهم.

[3] أم الأمراء هي زوج المعز لدين الله واسمها “السيدة العزيزة” وهي أم سائر أبنائه، منهم الخليفة أبو منصور نزار الملقب بالعزيز بالله المولود بالمهدية سنة 344 هـ والمتوفى بمصر سنة 386 هـ.

[4] نحائز : جمع نَحيزة، النَّحيزَةُ : النسيجة شبهُ الحِزام تكون على الفساطيط ونحوها

[5] قام ملك العبيديين بالعصبية البربرية فأخذوا يتبارون في نشر عظمة دولتهم الجديدة بالممالك الشرقية وينازلونها مملكة بعد أخرى حتى رفعوا الراية الخضراء الفاطمية على برقة ومصر والشام والحجاز وأضعفوا شأن الخلافة العباسية حتى صيروها شبخا ضئيلا يتوارى بين لبتي دجلة والفرات وكادوا يقضون عليها القضاء الأخير – حسن حسني عبد الوهاب.

[6] ذكر ذلك المقريزي في الخطط المقريزية ج 2 ص 352 طبع بولاق وكذلك “اتعاظ الحنفاء بأخبار الخلفاء” للمقريزي أيضا طبع القدس الشريف بعناية المستعرب هوقو بونز سنة 1908 ص 60.

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات