fbpx

سؤال خطير في الفلسفة والإلهيات: هل الله يهتم بِنَا؟

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الأثنين 17 جمادى الآخرة 1439 الموافق لـ 5 مارس 2018
  • 0
  • 1020 مشاهدة
سؤال خطير في الفلسفة والإلهيات: هل الله يهتم بِنَا

كمسلمين بالوراثة، وليس بالعلم والتعلم، كلنا نعتقد أن الله موجود في كل مكان وهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وكلنا يردد الآية الكريمة (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (59) سورة الأَنْعَام، وفي وصايا لقمان الحكيم لابنه قال له فيها (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) سورة لقمان… كل ذلك نعتقده اعتقادا إيمانيا ولكن لا ندركه بالوعي والعقل لننزل ذلك الوعي في حياتنا العملية واليومية، لذلك قلت نحن مسلمون بالوراثة وليس بالعلم والتعلم.

كان هذا الموضوع هو موضوع خطبة الجمعة للدكتور عدنان إبراهيم للأسبوع الفارط طرح فيها هذا الموضوع ليجيب عن سؤال ظل يطرحه الفلاسفة والقساوسة والعلماء وهو “هل أن الله مهتم بِنَا”؟ أنصح الجميع بالاطلاع والاستماع لهذه الخطبة وهي منشورة في موقع الدكتور على اليوتيوب والفيسبوك، وقد تقول لي ماذا يهمنا نحن المسلمين بطرح هذا السؤال ونحن نعتقد اعتقادا راسخا مضمون الآيات التي سبق وذكرتها، وهو أن الله موجود في كل مكان ويعلم ويتبع كل صغيرة وكبيرة في الكون… والجواب صحيح أن الله ما من حبة خردل ولا ورقة تسقط إلا يعلمها، ولكن في أذهاننا كمسلمين العلم بالشيء ليس كالاهتمام بالشيء، وعندما نقول أن الله يعلم كل شيء لم نجب على السؤال هل أن الله يعيش معك ويهتم بأمرك في كل شيء…

ثم في عقيدتنا الجامدة التي ورثوها لنا بالوراثة وبدون تعلم وإعمال للعقل ودراسة لعلوم الكلام والفلسفة والبيولوجيا والفلك والفيزياء أفهمونا أن الله تعالى خلقنا وهدى لنا طريق الحق والباطل طريق الخير والشر (وهديناه النجدين) ثم ترك لنا الحرية في الاختيار، ورحمة منه تعالى أرسل لنا الأنبياء والرسل لكي يرشدونا الطريق ويهدوننا إلى الصراط المستقيم، كما تلقينا أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل وأن لا نبي بعده وإنما الذي يقوم بهذه المهمة (في هداية الأمة وإرشادها) من بعده هم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، كل ذلك تلقيناه وهو صحيح ويندرج ضمن عقيدتنا كمسلمين، ولكن لم يحدثنا أحد هل أن الله خلقنا وخلق أبونا آدم وأمنا حواء ثم أنزلهما إلى الأرض بمعيّة إبليس ليبتلينا وبقي هو تعالى في السماء العُلى يعلم ما نفعل ولكن لا يهتم بِنَا ولا يعيش معنا، كل ذلك فهمناه بالعقل وبالنقل، وهو خطأ وغير صحيح…

ولقد ظل هذا المفهوم للاله في السماء والبشر في الأرض راسخا في أذهان اليهود والنصارى لمدة قرون وتأثرنا نحن المسلمين بهذه المفاهيم وقسناها على عقولنا وعلى عوالمنا البشرية القاصرة لنجعل الله في السماء السابعة ونحن البشر في الأرض نترقب القيامة ويوم الحساب ليفصل بيننا (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (24) سورة الأعراف، ويتأكد هذا المفهوم في عصرنا عندما نعلم أن آخر الاكتشافات تقول أن الكون كله بمجراته جميعا طوله 150 مليار سنة ضوئية وليست الأرض في وسطه اإلا بمقدار ثمن 1/8 ثانية ضوئية يعني أصغر من quantum وهي أصغر ذرة في عالمنا، فكيف لله تعالى أن يعيش معنا ويهتم بِنَا ونحن البشر مقدار حجم الأرض التي نحن فيها لا شيء أمام حجم الكون الذي يتسع لمائة وخمسين ألف مليون سنة ضوئية…

قد تقل لي غير صحيح فنحن المسلمين نعتقد منذ أزيد من 1400 سنة أن الله معنا ويتدخل في حياتنا اليومية مصداقا لقوله تعالى (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) سورة الفرقان أي أن الله تعالى يهتم بِنَا ويعبؤ بِنَا عندما ندعوه… وفي تفسير هذه الآية يعبؤ أي يتدخّل لرد القضاء (يبعد بلاء كان سينزل أو يقرب رزقا وخيرا كان سيفرط)، وهذا سليم وقويم ولكن السؤال هو في حالة عدم الدعاء ومع جميع البشر هل أن الله يهتم بعباده ويعيش معهم جميعا كافرهم ومؤمنهم أم لا؟ والجواب هو نعم فالله تعالى يعيش مع كل عبد من عباده ويهتم به ويتبسّم من بعض أفعال عباده ويغضب لأفعال آخرين من البشر، والله تعالى لكونه يعيش مع كل واحد منا فهو يحب أحدنا كما جاء في الحديث القدسي (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ :”مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ” …

والسؤال الذي قد يتبادر للذهن هو لماذا يهتم الله بِنَا ونحن أضعف مخلوقاته أمام الكون والنجوم والمجرات قال تعالى (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57) سورة غافر، والجواب هو أن الله تعالى خلق جميع مخلوقاته من السماوات والنجوم والأرض ولكنها مخلوقات لا روح (روح الله) فيها، والمخلوق الوحيد (بحسب ما رواه الله لنا) الذي نفخ فيه من روحه وخلقه بيديه هو آدم عليه السلام، قال تعالى (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) سورة الحجر… إذا هناك سر عجيب بين كل مخلوقات الله موجود في الإنسان وهو أنه منفوخ فيه من روح الله، وهذه الروح التي أودعها الله في البشر تواقة لمعرفة خالقها والرجوع إليه بالعلم والتعلُّم، ولما تحدث الله تعالى مع ملائكته أنه جاعل في الأرض خليفة احتجت الملائكة في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) سورة البقرة

وهذه النظرية في الاستخلاف تعلمنا قيمة الإنسان أي إنسان كان مسلما أم يهوديا أم نصرانيا، مؤمنا كان أو ملحدا كلهم مكرمون في ذواتهم من قبل الله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) سورة الإسراء، وليس لأي مخلوق من مخلوقات الله سواء من البشر أو من الجن أو من الإنس أن يكون له سلطان على بني آدم إلا بالحق والعدل، قال تعالى مخاطبا إبليس (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) سورة الحجر

ثم الإنسان مجبول على أن يقيس الله ويسحبه على نفسه سبحانه وتعالى عن ذلك فيسأل الإنسان أسئلة عن الله محكومة بالمقاس البشري وأكثر شيء يقيس عليه الإنسان الأشياء هو الزمان والمكان، في حين أن الله تعالى لا يجري عليه زمان ولا مكان وبالتالي الأحجام لا تمثل له الشيء الكثير فالكون الشاسع الذي ذكرت مقاسه والإنسان ذلك المخلوق الضعيف وذو الحجم الذي لا يذكر أمام الكون فذلك عند الله ليس مقياسا وإنما المقياس عند الله هو تلك الروح التي بثها الله في آدم وهي أعظم شيء في الإنسان الذي جعل الله يسخّر له كل الكون (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13) سورة الجاثية

إذا سلمنا إذا أن الله تعالى يهتم بِنَا يأتي السؤال الجوهري وهو لماذا تأتينا المصائب والحروب والفتن إذا كان الله مهتم بِنَا؟ ثم كيف يولد إنسان مشوّها في بعض الحالات وهو لم يقترف جرما ولا ذنبا؟ ثم لماذا يعيش بعض الناس الفقر المدقع والحرمان في حين يعيش آخرون في نعيم وافر ورفاهية تزيد عن الحاجة؟ هنا يأتي الجواب العملي وهو أن الله تعالى خلق الكون ضمن قواعد ونواميس وأودع في الإنسان ملكة العلم والتعلم والتوق إلى معرفة خالقه (روح الله) وما على البشر لكي يسعد في دنياه إلا أن يتعرف على تلك القوانين والنواميس الكونية ويجتهد بالبحث والعلم وإقامة العدل لكي يتفادى كل المخاطر والمصائب والأوبئة والحروب، والدليل هو باكتشاف الإنسان للجراثيم والميكروسكوب واختراعه لأدوية مضادة لتلك الجراثيم فقد أصبح معدل أمل الحياة (l’espérance de vie) مرتفعا بنسبة تكاد تصل إلى الـ100% في عصرنا في حين كانت من قبل 10 و20% وكذلك وهذا نعيشه في أوروبا بالخصوص، فالأم التي تحمل في بطنها جنينا تكون تحت الرقابة الطبية والمجتمعية بأن لا تتناول مخدرات ولا تدخن ولا تتناول الكحول طيلة فترة حملها، وحتى المجتمع يرقبها، فَلَو شاهد مواطن أوروبي امرأة حامل وهي تدخّن يمكنه أن يهتف للشرطة لكي تتدخل، وهذا من الاتحاد بالأسباب المادية والكونية لكي يولد الإنسان غير مشوه، وإن حصل أن ولد مولود مشوها فهو ذنب والديه وذنب المجتمع كله الذي لم يرقب تلك المرأة في أن تتعاطى مخدرات أو يرقب ذلك الزواج لكي لا يكون زواج أقارب حتى لا يولد المولود مشوها…

وهكذا قِس على ذلك كل نواميس الكون في العدل وإقامة الحقوق لكي لا يكون في الأرض ظلم، والحكم بالشرائع السماوية التي أنزلها الله لكي لا يتعامل الناس بالربا فيحصل التفاوت بين الطبقات وفيتكدس المال عند الأغنياء ويزداد الفقر عند الفقراء، وهكذا الحياة ليس الله مسؤولا عن نتائجها السيئة من حروب وأوبئة ومصائب وإنما الإنسان نفسه هو المسؤول عن كل ذلك وما على الإنسان (كل إنسان مؤمن أم ملحد) إلا أن يجتهد بالعلم وإقامة العدل لكي يزول الشر والفساد من الأرض، والله تعالى وعدنا بالتدخّل مباشرة منه عندما ندعوه قال تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) سورة غافر… كما أعطانا الله بعض مفاتيح الكون لكي يرشدنا إلا صلاح البشر والكون قال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيد وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25) سورة الحديد…

وهكذا القرآن الذي هو كلام الله الذي أنزله للبشر مع محمد صلى الله عليه وسلم رحمة منه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) سورة الأنبياء لكي يدلهم على بعض أسرار الكون التي يعجز العقل المحدود عن إدراكها، ومن أهم الأشياء التي أدركها الإنسان في هذا القرن أن نظرتنا لله لم تعد كما كان يتخيلها الإنسان البدوي والحجري منذ قرون، فالإنسان المعاصر لهذا القرن يجب أن تتغير نظرته لله وأن الله بمعيّة الإنسان في كل لحظة وكل حين يهتم به ويأسه ويستعينه فإذا عشت مع الله بهذه النظرة فإنك ستشعر به في حياتك اليومية وستحبّه، فإن أحببته فإنك ستعبده وحدك من تلقاء نفسك، وتلك هي أسما غاية، وأحسن نتيجة توصلت إليها في حياتك.

والله الموفق والمستعان
المهدي بن حميدة
لوزان في 5 مارس 2018

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات