fbpx

لنا وقفة ثانية مع التاريخ

قيس سعيد هل هو على خطى بن علي

عندما تنكر زين العابدين بن علي إلى التزاماته أمام الشعب والنخب السياسية والأحزاب، بتزويره لانتخابات 2 أفريل 1989، وبتنكره لمحتوى بيان 7 نوفمبر 1987 الذي جاء بموجبه (بمثابة تعهّد) للسلطة عبر انقلاب أبيض على الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، لم تعط جل النخب السياسية (عدى الإسلاميين وبعض الشخصيات الوطنية) أهمية لتلك التراجعات الخطيرة في مجال الالتزامات السياسية مع المجموعة الوطنية.

ووجد بن علي وقتها من النخب والأحزاب من ينفخ على شرائع مراكبه لكي يحول وجهة البلاد إلى المجهول، ومرت تونس بعد تلك التراجعات والانتكاسات، تحت مسميات أيديولوجية لمحاربة الرجعية الدينية، مرّت بمرحلة سوداء مظلمة أوصلت البلاد إلى الفساد والفوضى مما سبب في إطلاق شرارة الثورة يوم 17 ديسمبر 2010 ورحيل الطاغية يوم 14 جانفي 2011، وكانت حصيلة تلك الحقبة السوداء، في مجال انتهاكات حقوق الإنسان، ثقيلة على المستوى الوطني والشعبي وجراحها لم تندمل حتى اليوم.

اليوم تكاد تمرت على الثورة 10 سنوات شهدت خلالها البلاد تقلبات اجتماعية وعدم استقرار اقتصادي وسياسي، نتيجة فشل النخب السياسية في الحسم في خلافاتها الأيديولوجية وعدم قدرتها على تجاوز جراحات الماضي، حيث تميزت هذه الفترة بالتراشق والتنافر الداخلي مما جعل بعض الدول تتجرأ على التدخل في شأننا الداخلي بشكل خفي أحيانا وبشكل مفضوح ومباشر أحيانا أخرى.

وآخر هذه التدخلات المباشرة ما حدث خلال الزيارة الأخيرة لقيس سعيد لفرنسا، حيث استغل هذا الأخير الانقسام الحزبي داخل البرلمان، في علاقة بمبادرة الاعتذار التي تقدمت بها إحدى الكتل البرلمانية، ليشذ كل الشذوذ عن الإجماع الوطني فيما يتعلق بقضايا وطنية ساخنة لم يسبق لأحد من السياسيين أن شكك فيها (احتلال فرنسا لتونس)، وهو ما يمثل انتكاسة وتراجعا خطيرا أمام الخطاب الذي سوّقه إلى ناخبيه خلال الحملة الانتخابية وما رفعه من شعارات تتعلق بـ”الخيانة العظمى” وباحترام تطلعات الناخب تحت شعار “الشعب يريد”.

واليوم نحن أمام وقفة واختبار مع أنفسنا ومع التاريخ لكي لا نُلدغ من نفس الجحر مرتين ولا نترك البلاد تنزلق نفس المنزلق، وتدخل بعدها مرحلة من المجهول لا يعلم أحد أين سترسي مراكبها وبأي ثمن وبأي جراحات وآلام، وسط الاضطرابات والمكائد التي تحيط بتونس وثورتها من كل جانب.

وجب على العقلاء في البلاد اليوم وقبل فوات الأوان أن يتحدوا ويقفوا بالمرصاد صفا واحدا أمام هذه الانتكاسة في المفاهيم والمصطلحات والمسار الذي سطرته الثورة، والتي سوف يكون لها انعكاسات خطيرة، ليس على مستقبل واستقرار البلد فحسب بل على وحدة المجتمع وتماسكه والتفافه حول هوية وطنية جامعة وتاريخ وطني ونضالي مشترك.

المهدي بن حميدة
في 27 جوان 2020

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات