fbpx

هل فشل الإسلام السياسي؟

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الجمعة 5 ذو القعدة 1438 الموافق لـ 28 يوليو 2017
  • 0
  • 467 مشاهدة
المؤتمر العاشر لحركة النهضة

سؤال طرحه قبلي الكثيرون وأنا بصدد طرحه والبحث على إجابات حوله، وَمِمَّا اعترضني من مقالات حول هذا الموضوع مقال للشيخ راشد الغنوشي تحت عنوان “مدى مصداق دعوى فشل الإسلام السياسي”… المقال نشر على موقع الجزيرة (قسم المعرفة) في أكتوبر 2013، ولئن حسمت حركة الغنوشي في مسألة الفصل بين السياسي والدعوي في مؤتمرها العاشر الأخير الذي عقد في أواسط سنة 2016، أي هناك ثلاث سنوات فاصلة بين مقال الشيخ راشد وبين مؤتمر “الحسم”، ولكن على مستوى الممارسة فإن هذا المقال للشيخ الغنوشي يؤكد عقلية متواصلة وممارسة لم تتغير ولم يحصل لدى الحركة ذلك العائق الإبستيمولوجي الذي يفصل بين الدعوي والسياسي.

إذ الإسلام الدعوي كما جاء في المقال (للغنوشي) لم ينتكس ولم يتراجع بل على العكس الإسلام (كرسالة) في انتشار والدعوة في ازدهار والفكر الدعوي والفقه الإسلامي في تطور ونضج على مدار التاريخ وخاصة في عصرنا هذا، ولم يخض الفكر الإسلامي تحديا إلا خرج منه أقوى حجة وأكثر شعبية، ومدار السؤال ليس عن الإسلام الدعوي وإنما عن الإسلام السياسي، وهنا المغالطة الكبرى التي سقط فيها الأستاذ الغنوشي في مقاله هو في عدم الفصل بين الإسلام السياسي (وهو تجربة الحركات الإسلامية في الحكم والمنافسة السياسية) وبين الإسلام الدعوي (وهو تراكم المنهج التبليغي لرسالة الإسلام عبر التاريخ منذ ابتداء الرسالة المحمدية إلى اليوم).

وحركة النهضة في تونس لما كانت جماعة إسلامية لم تخض صراع السياسة والحكم ولما اقتصر دورها في الستينيات والسبعينيات على تطوير الفكر الإسلامي ونشر دعوة الإسلام وبعث الروح الإسلامية وروح التدين لدى الشباب (شباب الصحوة في تونس) كانت جماعة دعوية كغيرها من جماعات الدعوة كجماعة التبليغ والحركات السلفية في بعدها العلمي، مما يصح فيها تسمية الصحوة الإسلامية أو الجماعة الإسلامية.

ولكن لما طرحت (حركة النهضة في تونس) على نفسها تحمل أعباء الحكم (بإعلان نفسها حزبا سياسيا والتنافس الديمقراطي على السلطة) وخوض غمار السياسة (وخاصة بعد الثورة) فهنا أصبحت ضمن تيارات الإسلام السياسي كحركة الإخوان المسلمين في مصر (وإن كانت هذه الأخيرة خلطت ولازالت تخلط بين المهمتين إلى اليوم مما زاد من تعقيد وضعها) ولم تعد من جماعات الإسلام الدعوي، وأي انتصار للدعوة لا يجب سحبه على الإسلام السياسي والعكس صحيح وهذا ما تضمنته مخرجات المؤتمر العاشر للحركة…

ففي المقال المشار إليه لم يُجب الغنوشي عن السؤال والأكثر من ذلك فإن قراءة هذا المقال بعد المؤتمر الأخير للحركة يزيد في تداخل الأمور لدى عامة الناس ويحدث تشويشا وضبابية (خاصة في أذهان الشباب) ويزيد من تعقيد الأمور.

بالنسبة لي، الإسلام السياسي أو تجربة الحركات الإسلامية في الحكم قد أثبت فشله، ليس بمجرد النظر إلى تجارب هذه الأخيرة في السودان والأردن والكويت ومصر تونس، ولكن بالنظر إلى الممارسات والمفاهيم التقليدية لدى أغلب هذه الحركات في أشكال الحَوْكمة والممارسة السياسية، فإنها قد حكمت على نفسها بالفشل وفقدت ذلك البريق الذي استمدته من “الإسلام الدعوي” في ممارسة الحكم الرشيد ونشر العدل وحسن توزيع الثروة واتقاء الله في كل الأمور صغيرها وكبيرها، ولم تعد الجماهير المسلمة تعول كثيرا على شعارات الحركات الإسلامية إذا لم نقل فقدت (في جزء كبير منها) الثقة في حركة الإسلام السياسي وأصبحت تناصبها العداء في بعض الملفات والمسائل.

ولقد رأينا المجتمعات الغربية كيف تدير الحكم فيما بينها وكيف تقدمت تلك المجتمعات بفضل الحَوْكمة الرشيدة وبفضل ممارسة “التقوى” في إدارة الشأن العام، وأول من أدرك هذا السر في ديمومة الحكم هو الكيان الصهيوني الذي يقبع الآن أحد رؤساء حكوماته (أيهود أولمرت) في السجن من أجل مبلغ مالي حامت حوله شكوك الفساد وهذه الأيام يقع تتبع رئيس الحكومة الحالي للكيان (بنيامين نتنياهو) في قضية يحوم حولها شُبه الفساد..

والغريب أن أغلب زعماء الحركات الإسلامية التي تزعمت حركات الإسلام السياسي (السودان وتونس خصوصا) قد درسوا أو عاشوا في أوروبا وبريطانيا تحديدا أي أم الديمقراطيات الحديثة ومصدر الحادثة والحوكمة الرشيدة… ولكن عندما عادوا إلى بلدانهم وخاضوا أول تحارب الحكم فقد واصلوا على نفس منهج الفساد المالي (السودان) والسياسي (تونس) والميوعة الثقافية والارتهان للكيانات الخارجية والتراخي في تحقيق العدالة الاجتماعية ومقاومة الفساد وأثبتوا أنهم لم يستفيدوا من الإسلام الدعوي ومن دعوة الإسلام إلا في الشعارات وبعض العبادات التي حافظوا عليها، ولكن على مستوى العلاقة بالجماهير ونفع الناس فقد خيبوا آمال الكثيرين.

فطالما لم تفصل الحركات الإسلامية (بالقول والفعل) بين الممارسة السياسية وبين الخطاب والممارسة الدعوية فلن يفلحوا ولن تفهمهم شعوبهم، وكمثال على الفصل بين الممارسة السياسية والممارسة الدعوية، فإن الرجل الداعية لا يهمني ماذا يأكل وكيف يأكل ومن أين يأكل وماذا يلبس وكيف يلبس ومن أين يلبس، المهم أن أخلاقه وصدقه ينعكسان على أقواله فهو بالنسبة للجماهير وبالنسبة لعامة الناس داعية وقدوة ناجح، ولكن الرجل السياسي ليس كالداعية، فهو متّبع ومسؤول في ما يأكل وما يلبس وأين يذهب ومن أين يكتسب وكيف ينفق في حياته الخاصة فما بالك بحياته العامة وإدارة الشأن العام…

وهو مسؤول على المباحات قبل المحظورات ومسؤول على التحسينيات قبل الضروريات (في المُتع) وهو مسؤول على رقائق وشقائق الأمور فما بالك بعظيمها، وهذه المدرسة في الحَوْكمة الرشيدة لم يأتينا بها زعماء ومفكرون أوروبا وأمريكا بل جاءنا بها رسول الإسلام واكتملت وضوحا وشرحها وتبسيطها على يد ابي بكر ثم عمر ابن الخطاب، فعمر ابن الخطاب سطر الخطوط العامة في الحَوْكمة الرشيدة وأعطى أمثلة دقيقة في العدل والحكم الرشيد والفصل بين العام والخاص ولكن زعماء إسلامنا السياسي اليوم استهانوا بكل ذلك ولم يولوه الأهمية اللازمة فخسروا المعركة وفقدوا ثقة شعوبهم فيهم.

وعندما تسألهم هل فشل الإسلام السياسي يقولون لك نحن لا نحبذ هذه الكلمة ونحبذ استعمال كلمة الحركة الإسلامية، وحركة الإسلام الدعوي لم تفشل، وعندما تقارعهم بأن الإسلام الدعوي يتطلب منكم كهذا وهكذا يجيبونك أننا قد فصلنا بين الإسلام الدعوي والإسلام السياسي، يعني معكم في الربح ولسنا معكم في الخسارة وهذه مغالطة كبرى.

المهدي من حميدة
لوزان في 28 جويلية 2017

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات