fbpx

وصيّة سيدي داود (الهوارية) إلى أبنائه من بعده

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الثلاثاء 3 ربيع الأول 1442 الموافق لـ 20 أكتوبر 2020
  • 0
  • 2070 مشاهدة
وصية سيدي داود النوبي الصنهاجي

لما أراد اللــه بوفاة سيدي داود أرسل إلى طائفة مــن الـسـادات أن يـجــتـمـعـوا عـنده يوم الأربعاء الثالث عـشر مـن رمضان الأجل أن يخـتم الكتاب المسمى بالنوادر. فـلما تـم الكـتـاب المذكور. وأكـلوا الطعام وأرادوا أن يرجـعوا إلى مكانهم. فـقال لهم الشيخ سيدي داود: الفراق بــيـنـنـا وبـينكم يوم الجمعة إن شاء اللــه، فلـما كان يوم الخميس أرسل إلى أولاده الأربعة.

وحضرنا كلنا بـيـن يديه، فقال لي: يا سليمان اجعل في يدك دواية وقرطاسا واكتب هذه الوصية التي نتركها إن شـاء الـلــه تعالى، وأوصوا بها أولادكم أن يتعظوا بها، فجعل يوصي فـينا، وانا اكتب وصــيـة ســيــدي داود وهـي هــذه:

 الحمد لله، واجـب الوجـود، الرحيم الرحمان، القـديم الباقي، المعــبـود فــي كــل وقـــت وحـين وزمان، الفـرد الصمد، الفـتاح الرزاق، ذو النعـم والإحسان، والصلاة والسلام عــلـى رســول اللــه سيدنا محمد بـن عـبد الـله بـن عدنان، المبـعـوث لأجـل الـسـمـاوات والأرض والإنــس والـجـان، والصــــــــــلاة والسلام عـلى رسوله وعـلى آلـه وصحبه الكرام الزاهـدين الأعـيان.

إخواني تعالـــــوا فابكوا الدمـوع من الذنوب وتشكوا ألـم الهجـران، بكـية التائبين في سحر الليل، تأسر بمدامع الأجـفــان، كـم أقدامهم فـي الدجى مـن جولان، فإذا لاحـت أعلام الفجر كبروا عـند مشـاهـدة الأعــيـان، بــادروا يــا وصيان الخلوة، فها نحن لكم جيران، وتركنا الأسباب والأولاد والأوطان وفارقـنا شهوات الــنـفــوس والأبدان، وخلفنا ديار اللهو فانـفردت منذ زمان وطلقـنا الدنيا ثلاثا وهجرنا الدار والجيران وسقـينا من شراب الأنس شربة ولو كان ما كان لبسنا حلة الجوع بالقهار.

وقرأت حـديث من جل ومن هـــــان أسفـنا أثر الرجال الذين لهم مـن الخلق كل يوم فـي شان نالوا منازل التوكل وأصبحـوا فــيـهـا قـضـــان باعوا شهوات النفـوس بأبخس الأثـمان، سجلوا عـلى أنفسهم سجل الرضى بالقـضـى وأهـلا بـالـرجــال الشجعان، تـتجافى جـفونهم عـن المضاجع لهـم تلحين بالقرآن فـيا أهل السماع اعبدوا اللـه ولا تشركـوا به شيئا يقيكم مخافة النيران، و بالوالدين إحسانا، وأوفوا الكيل والميزان، ولا تقربوا الزنـــى والـربا والزور فـتـتـزايد لكم الأحزان، ولا تعودوا أنفسكم الكذب ولا تحـلفوا بالأيمان.

وحافظوا عـلى الصلوات في الجماعة كل وقت بأذان، وسلفوا العسير خرق لكم حجب وعـقدت عـن رؤوسكم التيجان، و اطعـمـوا الخادم واهدوا الأعـمى وعمروا المساجد بالذكر والقرآن، وابكوا عـلى ذنوبكم وحاسبوا أنفسكم يقال عليكم لا خوف عليهم الزمان، وانصفوا للناس وردوا السلام يتجـلى لكم محـبـوبـكــم عــن مـشــاهــدة الاعيان، واذكروا رحلة الدنيا وارجوا ثواب اللــه وخافوا عـقابه وصولة الزبانية بالسلاسل والأغــلال والنيران، واسجروا أنفسكم واذكروا اللــه في القيام والقعود وعـلى جنوبكم واتــلــــــوا كتاب اللــه واجتهدوا فــي الأذان.

وازجـروا هاتـك الشريعة بالقلب أو بالضرب أو بالـلسان، ولو يطـير في الهوى أو يسير عـلى الماء ولـم يقـف على حدود اللــه فـهو مســتــدرج خـوان، ولا تـسـتــهــزئــوا بالفـقراء فإنهم حفاة عراة فـي القفار والبلدان، واهـدوا الدنيا لدار السلام مسكـنهم لغير تـكـلـيــف ولا أديان، ولا تركـنوا للذين ظـلموا فـتذوقوا العـذاب ومس النيـران.

فاعملوا بوصيـتـي واتـعــظــوا بـهـا تـنجوا مـن يـوم يــشــيــب مــنـه الــولـدان.

وهــذه الـوصـيـة تـمـت، وقام الشيخ سيدي داود للصلاة ولما قام من الركعة الأولى وأراد الثانية فـركع الــركـعــة وفـــي السجدة الــثـانـيـة لــم يــرفــع رأســه فــوجــدنــاه مــيــتــا رحــمــة الــلـــه عــلــيــه.

وفاة سيدي داود

قال شيخنا أبو عـبد الله سيدي محمد بن احمد بن عـلي بن الـوليد عـن أبيه سيدي سليمان الصنهاجي توفي الشيخ الصالح العـالــم الــعـامــل الــزاهــد الــقــطــب الــحـــــــــــــــاج أبو سليمان سيدي داود الصنهاجي ليلة الجمعة الخامس عشر مــن رمــضــان ســنة إحدى وستين وستمائة (15 رمضان 661 الموافق لـ 20 جويلية 1263)، ودفـن قبلة قبر شيخه سيدي عـبد العزيز العابد بنحـو ذراع فـي نوبة عـلــى ســاحــــــــــل البحر في الدخلة القبلية لأنه قـد اوصى بذلك (وهي التي تسمى اليوم مدينة سيدي داود من ولاية نابل بتونس).

ومولده يوم الخميس الأول مـن مــحــرم عــام سـبـعــيـــــن وخمسمائة (1 محرم 570 الموافق لـ 2 أوت 1174) فعـمره تسعون سنة وثمانية اشهـر ونصف شهر، وخلف أربعة أولاد، سيـدي عــبــد اللـــــه، وســيــدي عـــبـد الــعــزيــز، وســيــدي احـــمـــد، وســـيــدي إســـحـــاق.

وشهد هـنا عـلى ما قيــــد أعــــلاه بتاريخ أواخر ذي القعدة الحرام عـــام 1080 هـ ثمانين وألف (الموافق لأواسط أفريل 1670م) وباللــه التوفيق متصل بذلك عـند الفـقيهيــن النبيهين العدلين المرحومين العدلين بالعمل التونسي في تاريخهما.

المهدي بن حميدة
في 21 أكتوبر 2020

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات