fbpx

أسس ومقومات الحوكمة الرشيدة في الإدارة

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الأحد 7 ربيع الثاني 1437 الموافق لـ 17 يناير 2016
  • 0
  • 3690 مشاهدة

الكاتب: يوسف ابوطالب

تظهر أسس ومعالم نظام الحوكمة في الحضارة العربية الإسلامية من خلال الأسس التي تقوم عليها العقود وفقاً للشريعة الإسلامية السمحاء . حيث يجب أن تقوم العقود على أسس العدالة والمسؤولية والمساءلة والشفافية . فالعدالة تعتبر من أهم الأسس التي تقوم عليها العقود في الشريعة الإسلامية . وهذا ما نجده في العديد من آيات القرآن الكريم منها: ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان”. سورة النحل – الآية، و: “يا أيها الذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط …”. النساء – الآية .

كما تشترط القواعد الشرعية تحديد المسؤولية المقررة على كل فريق بدقة، والحث على أدائها بكل صدق وأمانة . بحيث تتم مسألة كل فريق عن أداء التزاماته ومدى الوفاء بها، ومحاسبة كل من يخل بالأداء بالتزاماته بالجزاء سواء الإداري أو القضائي، وبالجزاء من الله عز وجل. كما ألزمت الشريعة الإسلامية كل فريق بتقديم البيانات الكافية بما يسبغ على محل التعاقد شفافية كاملة كما في قوله تعالى: “وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس” سورة الإسراء – آية .بذلك تكون الشريعة الإسلامية السمحاء قد أرست أسس الشفافية في التعامل بمنتهى الصدق والأمانة والدقة، وهذه هي أسس وأصول الحوكمة.

ومن التطبيقات العملية لنظام الحوكمة في الحضارة العربية الإسلامية كأسلوب للإدارة الرشيدة، تلك القصة الشهيرة للخليفة العادل عمر بن عبد العزيز عندما التقى رسولاً من أحد ولاته، وأوقد شمعة من مال المسلمين عندما تحدث بالأمور العامة . ثم أطفأ تلك الشمعة، وأوقد شمعة أخرى من ماله الخاص عندما تحدث مع ذلك الرسول عن شؤونه الخاصة.

أما مفهوم الحوكمة في صيغته الحديثة فقد ظهر مع نشوء الشركات التجارية، وانتشار ظاهرة فصل الملكية عن الإدارة . حيث تعتبر الحوكمة إحدى النتائج المباشرة لفصل الملكية عن الإدارة . حيث يؤدي فصل الملكية عن الإدارة إلى تعارض مصالح إدارة الشركة وحملة الأسهم. فالإدارة تقوم بالنيابة عن حملة الأسهم بإدارة الشركة لصالحهم من حيث المبدأ، وهي بهذه المثابة وكيل عن حملة الأسهم . وعندما يحصل التعارض تكون الإدارة قد خرجت عن حدود الوكالة الممنوحة لها لذا فإن التطبيق الجيد لآلية الحوكمة ومبادئها ينهي مشكلة التعارض، ويزيل النتائج السلبية لفصل الملكية عن الإدارة .

ثانياً: المفهوم وأهميته

في حقيقة الأمر لا يوجد تعريف واحد متفق عليه بين كافة الاقتصاديين والقانونيين، والمهتمين بشأن الحوكمة . إلا أنه نود فيما يلي أن نقدم تعريفاً مبسطاً للحوكمة: فالحوكمة في رأينا هي نظام للإدارة سواء كانت إدارة عامة أو خاصة . يشمل مجموعة من القواعد والمبادئ والإجراءات الهادفة إلى تحقيق التوفيق والتوازن بين أصحاب المصالح المتعارضة، وتوزيع الحقوق والمسؤوليات فيما بينها ضمن إطار عام من الشفافية والإفصاح والمساواة في الفرص.أي أن الحوكمة تعني وضع الضوابط ووسائل الرقابة التي تضمن حسن إدارة الشركة . وتضمن من جهة أخرى أن تحسن الإدارة استغلال موارد الشركة وتسعى إلى تعظيم ربحية وقيمة حقوق الملكية على المدى الطويل . وتعكس أيضاً مدى اهتمام الإدارة بالمصالح الأساسية للمجتمع في مجالات الصحة العامة وتطوير الموارد البشرية، وحماية البيئة .

بشكل عام، يمكن القول بأن نظام الحوكمة يشكل دليلاً للرقابة الذاتية أي كيف تتصرف إدارة الشركة عندما لا يراقبها أحد. كما تعتبر الحوكمة إحدى أهم الوسائل الهادفة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية ورفاه المجتمع، وإرساء قيم الديمقراطية والعدالة، والمساواة في الفرص، والشفافية والإفصاح التي تضمن نزاهة المعاملات، وتعزيز سيادة القانون، ورسم الحدود الفاصلة بين المصالح الخاصة والعامة والحيلولة دون استغلال المنصب والنفوذ.إن جوهر نظام الحوكمة هو التوفيق بين أصحاب المصالح المتعارضة . والتعارض المقصود هنا هو أن يكون لدى أحد الأطراف مصلحة خاصة تتعارض مع المصلحة العامة . أي أن مناط التأثيم هو غلبة المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة . بحيث إذا انتفت تلك الغلبة وزال التعارض لا تكون المصلحة الخاصة مؤثمة . لذلك فقد نص المشرع في المادة من قانون الشركات التجارية رقم (5) لسنة على جواز أن يتقدم عضو مجلس أو أحد المديرين في شركة ما بعروضه لتنفيذ أعمال مقاولات أو مناقصات على قدم المساواة مع متنافسين آخرين . وعندما يكون عرضه الأنسب أي زوال غلبة المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وانتفاء التعارض بينهما، يجب عرض الأمر على الجمعية العامة لتوافق على هذا التعاقد.

والحوكمة إما أن تكون حوكمة خاصة (أي حوكمة الشركات) أو حوكمة عامة (أي حوكمة الإدارة العامة) وسنتناول في مقالنا هذا حوكمة الشركات. فقد تزايد الاهتمام في الحوكمة خلال السنوات القليلة الماضية، فأصبح توفير بيئة تشريعية وقانونية تضمن تنظيم عمل الأسواق المالية وزيادة كفاءتها وتعزيز الدور الرقابي عليها شرطاً لازماً لنجاح الأسواق المالية باستقطاب المدخرات واجتذاب رأس المال والاستثمار الأجنبي وتوجيههما في مجالات الاستثمار المختلفة في الاقتصاد الوطني. وفي سبيل ذلك لا بد من تبني آليات السوق، ودعم وتطوير القطاع الخاص ومؤسساته، ومنحه دوراً أكبر في النشاط الاقتصادي من جهة، وتعزيز التعاون ما بين القطاع العام والخاص من جهة أخرى . هذا بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار الأجنبي. لذلك تبرز أهمية الالتزام بالحوكمة كنظام للإدارة الرشيدة بما يشمل إعادة هيكلة مجالس الإدارة، وحماية حقوق الأقلية، وتعزيز إجراءات الرقابة، وتكريس الشفافية والإفصاح والمساواة بالفرص سواءً في الشركات المدرجة وغير المدرجة.

وفي هذا الصدد فإن التحدي الكبير يتمثل في التعرف على المعايير العالمية المعتمدة في حوكمة الشركات، وأفضل الممارسات، وتكييفها لتتواءم مع خصائص الشركات المحلية وأنماط الملكية، والأسواق المالية، والأعراف المستقرة . وذلك بهدف تطوير إطار قانوني متكامل موائم لتوطين الحوكمة. لذلك فإن تطبيق نظام حوكمة يستند بشكل أساسي على العديد من القوانين والنظم والإجراءات . مثل قوانين الشركات، وأنظمة أسواق المال والبنوك، وأنظمة المحاسبة، ومعايير المحاسبة الدولية، وقوانين المنافسة ومنع الاحتكار، وقانون حماية المستهلك، وقوانين الضرائب والعمل وحماية البيئة.

ومن الجدير بالذكر بأنه لا يكفي أن تتم صياغة نظام متقن وقواعد شاملة للحوكمة، وإنما المهم أن تتم ممارسة هذا النظام بشكل فعال . وقد أظهرت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية الأخيرة غياب الحوكمة حتى في الدول المتقدمة كممارسة على الرغم من وجود أنظمة متكاملة وقواعد شاملة . فقد برهنت تلك الأزمة على وجود تقصير كبير في ممارسة الحوكمة وضعف الامتثال لأحكامها وغياب المعايير الأخلاقية في سلوك الإدارة.

ثالثاً: مزايا وفوائد الحوكمة

يتمتع نظام الحوكمة بالعديد من المزايا والفوائد من أهمها: تشجيع الاستثمار، والابتكار، واستقرار الأسواق المالية ونموها، وتخفيض المخاطر وتخفيض تكلفة رأس المال، وضمان المعاملة المنصفة لحملة الأسهم، وتعزيز الثقة والمصداقية، وإيجاد بيئة عمل سليمة، وضمان المشاركة والمساءلة والمحاسبة. إضافة لذلك تبرز أهم مزايا الحوكمة في المجالات التالية: أ‌) الرفاه الاجتماعي: تتمثل مسؤولية الشركات في إنتاج وتأمين احتياجات المجتمع من السلع والخدمات بالجودة والمواصفات المناسبة، وبأقل تكلفة ممكنة وبالاستخدام الجيد لجميع موارد المجتمع . ولا يمكن للشركات أن تقوم بأداء تلك الوظيفة، وتحقيق الرفاه المجتمعي ما لم يتسم سلوك الإدارة فيها بالشفافية والمساواة بالفرص.ب‌) التنمية الاقتصادية: إن من شأن التطبيق والممارسة السليمة لحوكمة الشركات أن تؤدي إلى الكفاءة باستخدام الموارد، وتعزيز القدرة التنافسية بما يمكن الشركة من الوصول إلى مصادر التمويل المختلفة للتوسع والنمو، واغتنام فرص نمو إستراتيجية، والمساهمة في تحقيق الكفاءة الإنتاجية والتنمية الاقتصادية القطاعية والوطنية، والمساهمة في تحقيق ازدهار اقتصادي مستدام.

رابعاً : مبادئ الحوكمة

يستند نظام الحوكمة بشكل عام على مبادئ أساسية تحدد هيكل نظام الحوكمة وهي:أ‌) حماية حقوق حملة الأسهم: حيث تهدف الحوكمة إلى وضع إطار متكامل لحماية وضمان ممارسة حملة الأسهم لحقوقهم.ب‌) العدالة والإنصاف: تهدف الحوكمة إلى ضمان المعاملة العادلة لجميع حملة الأسهم على حد سواء بغض النظر عن عدد الأسهم المملوكة، وضمان حقوق ومصالح الأقلية . بحيث يضمن النظام لجميع حملة الأسهم فرصة الدفاع عن حقوقهم. ج‌) تحديد مسؤوليات مجلس الإدارة: يضمن هذا المبدأ الرقابة الفعالة على إدارة الشركة من قبل مجلس الإدارة من جهة، ومسؤولية مجلس الإدارة تجاه الشركة وحملة الأسهم من جهة أخرى . د‌) تحديد دور أصحاب المصالح: يضمن نظام الحوكمة الاعتراف بحقوق أصحاب المصالح، وتحقيق التوازن والتوفيق فيما بينهم . وهم على سبيل المثال: المساهمون، والعاملون، والعملاء، والدائنون، والمجتمع الذي تعمل فيه الشركة بشكل عام . ويعتبر هذا المبدأ من أهم مبادئ الحوكمة . وإذا ما تم تطبيقه بشكل جيد فإنه يشكل مقدمة لضمان تطبيق المبادئ الأخرى. كما يضاف إلى المبادئ السابقة مبدأ الإفصاح والشفافية والمساواة في الفرص: والذي يعتبر تطبيقاً عملياً للمبادئ الأخرى.

خامساً: نظام الحوكمة ميثاق أخلاقي

يعتبر نظام الحوكمة بمثابة ميثاق سلوكيات وأخلاق عمل، وهو بذلك يعتبر دليلاً للعاملين في أية مؤسسة لمساعدتهم على التعرف على الممارسات الأخلاقية والنـزيهة، وتعزيز ثقافة الأمانة، والابتعاد عن السلوكيات غير القويمة، وضرورة محاسبة الانحراف عن مبادئ سلوكيات وأخلاق العمل . كما يقدم هذا النظام معايير وإجراءات الامتثال للميثاق . ويجب أن يتضمن أي نظام حوكمة التوجهات التالية:

أ‌) تجنب تضارب المصالح: حيث يحظر على أعضاء مجلس الإدارة، والمديرين التنفيذيين والعاملين في أية شركة أن يستغل أي منهم منصبه أو وظيفته لتحقيق مصلحة له أو لزوجته أو لأولاده أو أحد أقاربه على حساب مصالح الشركة وحملة الأسهم وأصحاب المصالح الأخرى . وهذا ما تضمنته المادة من قانون الشركات التجارية رقم (5) لسنة التي تنص على: “يحظر على رئيس وأعضاء مجلس إدارة الشركة أو العاملين فيها أن يستغل أي منهم ما وقف عليه من معلومات بحكم عضويته أو وظيفته في تحقيق مصلحة له أو لزوجته أو لأولاده أو لأحد من أقاربه حتى الدرجة الرابعة ….”.

ب‌) عدم الاستغلال: يجب أن يتجنب مديرو الشركة والعاملون فيها استخدام واستغلال مرافق الشركة وممتلكاتها أو المعلومات الخاصة بها لمنفعة شخصية أو التنافس مع الشركة، والحفاظ على سرية المعلومات، وعدم الإفصاح عنها ما لم يكن إفصاحاً مفروضاً بموجب القانون.

ج‌) الإنصاف في التعامل: يجب أن يتضمن الميثاق التزام المديرين والعاملين في الشركة بالتعامل مع جميع عملاء الشركة ومورديها وموظفيها تعاملاً منصفاً وتجنب استغلال حاجة شخص ما أو موقفه وظروفه الخاصة.

د‌) حماية أصول الشركة وحسن استخدامها: يجب على جميع المديرين والعاملين استخدام أصول الشركة لتحقيق مصالح الشركة المشروعة، وحماية تلك الأصول من الإهمال والهدر.

ه‌) الامتثال للقوانين والنظم: يجب أن يتضمن الميثاق إلزامية الامتثال للقوانين والنظم واللوائح كل في مجال عمله، والالتزام بالأعراف المستقرة، ووضع الضوابط الرادعة لكل خروج عن تلك القوانين والنظم والتعامل معها بحزم.

سادساً: شمولية الحوكمة

على الرغم من تعدد الجهات المهتمة بحوكمة الشركات، إلا أن تلك الجهات تحصر نطاق تطبيق نظام الحوكمة على الشركات المساهمة المدرجة في الأسواق المالية والخاضعة لرقابتها عموماً، إلا أننا نرى في الحوكمة كنظام للإدارة الرشيدة نظاماً أكثر شمولية ويتعدى الطابع الاقتصادي والتجاري، ليشمل جميع الشركات والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية . فمفهوم الحوكمة في معناه الأشمل يمتد ليشمل جميع المؤسسات العاملة في المجتمع سواء كانت شركات أو مؤسسات إنتاجية أو خدمية. وسواء كانت تلك الشركات مدرجة أو غير مدرجة، شركات أشخاص أو شركات أموال، أو شركات عائلية . وسواء كانت تلك المؤسسات مملوكة من قبل القطاع الخاص أو مملوكة من قبل القطاع العام، والتي يرتبط نشاطها إما بإنتاج سلعة أو تقديم خدمة لصالح ورفاه الفرد والمجتمع ككل. لذا فإن مفهوم الحوكمة يرتبط ارتباطا وثيقاً بالجوانب القانونية والمالية والمحاسبية والاقتصادية ومنظومة القيم الاجتماعية والأعراف المستقرة.

وفي هذا الصدد فإننا نرى ضرورة إضافة مبدأ أساسي إلى مبادئ الحوكمة لم تتناوله الأدبيات والنظم المهتمة بحوكمة الشركات وهو المسؤولية الاجتماعية. ومن ناحية أخرى تختلف أساليب الحوكمة من حيث الشمولية والنطاق حسب أنواع الملكية.

المصدر: ماهي أسس ومقومات الحوكمة الرشيدة في الإدارة؟

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات