fbpx

من سلطة الدولة إلى سلطة التنظيم (3\4)

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الثلاثاء 5 جمادى الأولى 1441 الموافق لـ 31 ديسمبر 2019
  • 0
  • 803 مشاهدة

الحركة الإسلامية بتونس وسلطة التنظيم


  1. الصحوة الإسلامية بتونس

  2. الصحوة الإسلامية هو مصطلح حديث ترجع أصوله الفكرية والفقهية والحركية إلى رسالة الإسلام الذي انطلق مع البعثة المحمدية وظل ينتشر ويتجدد على مدى القرون والأمم والأجيال، فتارة يخفت صوت الدين\الإسلام وتارة يعود إلى قوته مصداقا للحديث الشريف الذي يرويه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا)، رواه أبو داود وصححه الألباني.

    فتجديد الدين مرتبط أساسا بعامل الصحوة الإسلامية وضمن هذا المفهوم العام فإنه يمكن إرجاع أصول الصحوة الإسلامية للقرن الماضي إلى جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ومن تلاهم من علماء الإصلاح الديني، والذين نجد من روادهم في تونس الشيخ سالم بوحاجب ومحمد بيرم الخامس والشيخ محمود قبادو والطاهر بن عاشور ومحمد صالح النيفر وغيرهم.

    فالصحوة تنطلق من الفكر والفقه والنص الديني فتنعكس مباشرة على سلوك الفرد فتجعل منه مسلما ملتزما بدينه يحمل مشروعا دعويا لا يفصل بين الفكر والسلوك فتجده يرتاد المسجد ويقوم بأنواع الطاعات والعبادات والنوافل ويتمثل سلوك وخلق الإسلام وعادة ما يحمل المسلم المرتبط بالصحوة نوعا من “الاستعلاء الإيماني” الذي يجعله يختلف عن بني جنسه من باقي أفراد المجتمع، وهو ما طبع سلوك المنتمين للصحوة في تونس.

  3. تنظيم الجماعة الإسلامية بتونس

  4. يرتبط ظهور الحركة الإسلامية[1] في تونس بتحركات بدأت في جامع الزيتونة في أواخر الستينيات حيث شرعت شخصيّات إسلامية منها الشيخ عبد القادر سلامة ومحمد صالح النيفر والشيخ بن ميلاد في إلقاء محاضرات ومواعظ ودروس دينية وبعض هذه المحاضرات كانت تنتقد الحالة السياسية والثقافية والاقتصادية في تونس. وفي بداية السبعينيات التقى أستاذ الفلسفة راشد الغنوشي بعبد الفتّاح مورو ونشأت صداقة بين الرجلين انعكست على نشاطهما السياسي فيما بعد، حيث يعتبر لقاء الغنوشي-مورو الفاتحة الحقيقية التي انتهت بتأسيس الحركة الإسلامية في تونس ممثلة في الجماعة الإسلامية.

    ولد راشد الغنوشي في 22 جوان 1941 بحامة قابس حيث درس المرحلة الابتدائية والثانوية في المدرسة التابعة لجامعة الزيتونة ثمّ نال الشهادة الأهلية ومن ثمّ انتقل إلى المدرسة الخلدونية بالعاصمة حيث حصل على الثانوية العامة ثم سافر إلى سوريا لدراسة الفلسفة بجامعة دمشق، وهناك انظمّ الغنوشي إلى خلية تنظيمية داخل التنظيم الناصري الذي كان معجبا به منذ دراسته بتونس، ثمّ حصلت له مراجعات تبنىّ خلالها الفكر الإسلامي وتسنّى له قراءة الكتابات الفكرية للإخوان المسلمين وتحديدا ما كتبه سيد قطب وأبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية في باكستان.

    وبعد إتمام دراسته في دمشق حيث حصل على الإجازة في الفلسفة، سافر راشد الغنوشي سنة 1968 إلى باريس ليرسّم بجامعة السوربون وهناك التقى بجماعة التبليغ والدعوة التي مكنته من اكتساب خبرة في إلقاء الدروس والتجوال بين الناس لدعوتهم إلى الصلاة والالتزام بشرائع الإسلام من صلاة وصوم وزكاة وغيرها، والمعروف عن هذه الجماعة انها نوع من التنظيم الدعوي والروحي الذي ينضبط إلى أخلاقيات الدعوة وتبليغ شرائع الإسلام دون التطرق إلى مواضيع سياسية، ثم عاد الغنوشي إلى تونس سنة 1969.

    ترجع بدايات التأسيس إلى أواخر الستينات تحت اسم الجماعة الإسلامية التي أقامت أول لقاءاتها التنظيمية بصفة سرية في أفريل 1972، والذي كان من أبرز مؤسسيها راشد الغنوشي والمحامي عبد الفتاح مورو وانضم إليهما لاحقا عدد من النشطاء من أبرزهم الشيخ محمد صالح النيفر والشيخ عبد القادر سلامة وحميدة النيفر وصالح بن عبد الله وصالح كركر والفاضل البلدي وعبد الفتاح مورو والحبيب المكني وحمادي الجبالي وعلي العريّض الذين كان يرأسهم الأستاذ راشد الغنوشي.

    واقتصر نشاط الجماعة في البداية على الجانب الفكري من خلال إقامة حلقات ودروس في المساجد، وكانت جل هذه الدروس تتمحور حول حضارية الإسلام وخطورة الثقافة الغربية المادية، وانضمت المجموعة إلى جمعية “المحافظة على القرآن الكريم” التي أسسها بورقيبة سنة 1971، وأخذوا يمارسون نشاطهم من جامع سيدي يوسف وجامع الزرارعية في العاصمة، ثم خرجت الفكرة الإسلامية من دائرة المسجد إلى دائرة الجامعة، وابتدأت مرحلة الصحوة الإسلامية تعم أرجاء البلاد وتكتسح مختلف الميادين والقطاعات إلى أن تكونت النواة الأولى التي ضمت مجموعة من الشباب الذين تعاهدوا على ذكر الله والتعاون على نشر الدعوة للإسلام.

  5. تنظيم حركة الاتجاه الإسلامي بتونس

  6. ضمن نشاط مجلة المعرفة التي كان يترأسها حميدة النيفر وبعد أن شهدت البلاد مخاضا اجتماعيا تمثل في أحداث 26 جانفي 1978، ومع انطلاق المجموعات الأولى للعمل الطلابي الإسلامي بدأت تتشكل فكرة التنظيم الذي كان الأستاذ راشد الغنوشي أكثر المدافعين عليها والمتحمسين لها، فأقامت الجماعة مؤتمرها الثاني في مدينة سوسة يومي 9 و10 أفريل 1981 في نفس الفترة التي عقد فيها الحزب الاشتراكي الدستوري (الحزب الحاكم) مؤتمره الاستثنائي الذي أعلن فيه الرئيس الحبيب بورقيبة أنه لا يرى مانعا في وجود أحزاب أخرى إلى جانب الحزب الحاكم، وأقر المؤتمر الثاني للحركة (الجماعة الإسلامية) ضرورة اللجوء إلى العمل العلني كما أقر تغيير الاسم ليصبح “حركة الاتجاه الإسلامي” بدلا من الجماعة الإسلامية.

    هذا وسبق أن خرج عن فكرة التنظيم كل من حميدة النيفر وجماعته (صلاح الدين الجورشي، زياد كريشان،…) لأن النيفر كان متحمسا للتغيير الفكري والثقافي كما اختلف معهم عن فكرة التنظيم الشيخ محمد الصالح النيفر الذي كانت له تجربة في الخروج عن بورقيبة إبان الاستقلال الصوري عن فرنسا، فكان أول فرع من فروع الحركة الإسلامية الذي ينفصل عن الجذع الرئيسي لأسباب فكرية (الموقف من التراث) وتنظيمية (الموقف من تنظيم الإخوان المسلمين)، وبقي الشيخ عبد الفتاح مورو الأقل حماسا لفكرة التنظيم من البقية الذين تم الإعلان من خلالهم عن تأسيس الحزب.

    انتُخب راشد الغنوشي رئيسا للتنظيم السياسي الجديد والأستاذ عبد الفتاح مورو أمينا عاما وتم الإعلان عن حركة الاتجاه الإسلامي بصفة علنية في 6 جوان 1981 أثناء مؤتمر صحفي، وتقدمّت الحركة في اليوم نفسه بطلب إلى وزارة الداخلية للحصول على اعتماد رسمي دون أن تتلقى أي رد من السلطات، وفي 18 جويلية 1981 ألقت السلطات القبض على قيادات الحركة ليقدموا في شهر سبتمبر للمحاكمة بتهم الانتماء إلى جمعية غير مرخص بها، النيل من كرامة رئيس الجمهورية‏، نشر أنباء كاذبة، توزيع منشورات معادية للنظام، وحُكم على مورو والغنوشي بالسجن لعشر سنوات ولم يفرج عن الأول إلا في 1983 في حين أطلق سراح الثاني في أوت 1984 إثر وساطة من الوزير الأول محمد مزالي.

    شهدت بداية ومنتصف الثمانينات انتشارا واسعا للصحوة الإسلامية في المعاهد والجامعة والقطاعات العمالية وصعودا جماهيريا للحركة انطلق من خلال التحركات الطلابية التي مثلت تعاطفا شعبيا معها على إثر حوادث التجنيد التي شملت قطاعا واسعا من الطلبة سنة 1985 و1986، ثم شهدت الصدامات أوجها سنة 1987 مع الحكم على الغنوشي بالأشغال الشاقة مدى الحياة واتهام النظام للحركة بالتورط في التفجيرات التي استهدفت 4 نزل في جهة الساحل بمناسبة إقامة احتفالات عيد ميلاد الرئيس الحبيب بورقيبة.

    رحبت حركة الاتجاه الإسلامي بالإطاحة بالرئيس بورقيبة في 7 نوفمبر 1987، فيما قام النظام الجديد منذ الأشهر الأولى بالإفراج على أغلب أعضاء الحركة المسجونين، وفي 7 نوفمبر 1988 كانت الحركة من الممضين على وثيقة الميثاق الوطني التي دعا إليها الرئيس بن علي كقاعدة لتنظيم العمل السياسي في البلاد، حيث شاركت الحركة في الانتخابات التشريعية في أفريل 1989 تحت لوائح مستقلة متحصلة (حسب النتائج المعلنة) على حوالي 13% من الأصوات، وفي 8 فيفري 1989 غيرت الحركة اسمها إلى “حركة النهضة” للتقيد بقانون الأحزاب الذي يمنع “إقامة أحزاب على أساس ديني” إلا أن طلبها بالترخيص جوبه بالرفض من طرف السلطة.

  7. حركة النهضة والمواجهة مع النظام

  8. منذ أن اُعلن عن الاسم الجديد للحزب وهو “حركة النهضة” حتى صرّح الباحث هشام جعيط الذي عبّر عن اعتراضه على هذه التسمية لأن “حركة النهضة الإسلامية” هو مصطلح تراود بين المصلحين والمثقفين منذ بداية القرن التاسع عشر والذي يرمي إلى كل حركات الإصلاح التي انطلقت مع المصلح خير الدين التونسي ثم تواصلت مع الزيتونيين والنخب العروبية والإسلامية للدعوة إلى إصلاح شامل للوطن العربي يأخذ بأسباب التقدم والنهوض ويقطع مع التخلف والانحطاط والتقليد والخرافة والجهل.

    لم تكترث حركة النهضة إلى هذه الملاحظات والانتقادات حول الاسم ودخلت بعد تزوير انتخابات 2 أفريل 1989 في مرحلة جديدة مع النظام، حيث غادر راشد الغنوشي البلاد في 28 ماي 1989 باتجاه الجزائر وانطلقت بذلك، بداية من سنة 1990، صدامات الحركة بعنف مع أجهزة السلطة وقد بلغت المواجهة أوجها أثناء أزمة حرب الخليج بعد اجتياح صدام حسين للكويت في الأول من أوت 1990.

    في ماي 1991 عقدت وزارة الداخلية مؤتمرا صحفيا لتعلن عن إبطال مؤامرة لقلب نظام الحكم واغتيال الرئيس بن علي، وشنت بذلك قوات الأمن والبوليس حملة شرسة على أعضاء الحركة ومؤيديها والمتعاطفين معها وقد بلغ عدد الموقوفين حوالي 8000 شخص وعدد آخر من آلاف المهجرين، وفي أوت 1992 حكمت محكمة عسكرية على 256 قياديا وعضوا في الحركة بأحكام وصلت إلى السجن مدى الحياة، وواصلت السلطة في السنوات التالية ملاحقتها للمنتمين والمتعاطفين مع الحركة وسط انتقادات واسعة لجمعيات تُعنى بحقوق الإنسان ليس في تونس فحسب بل في أوروبا والعالم.


  9. التنظيم في مواجهة: (يتبع)

      • التخصص الطلابي والنقابي (الاتجاه الإسلامي بالجامعة، الاتحاد العام التونسي للطلبة)
      • التخصص الحقوقي (جمعية الحقيقة والعمل بسويسرا)
      • التخصص الإغاثي (الجمعيات الإغاثية بأوروبا)
      • التخصص الحكومي والميداني (حمادي الجبالي)
      • التخصص الحزبي والتنظيمي (مستقبل الحزب)
      • خلاصات حول مستقبل التنظيم والحزب

      المهدي بن حميدة
      في 31 ديسمبر 2019 


      [1] نقصد بالحركة الإسلامية جملة النشاط المنبعث بدوافع الإسلام لتحقيق أهدافه وتحقيق التجدد المستمر له من أجل ضبط الواقع وتوجهه أبداً” راشد الغنوشي – الحركة الإسلامية: الواقع والآفاق

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات