fbpx

بين التواضع وطمس الحقيقة في تراثنا الإسلامي

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الخميس 14 جمادى الأولى 1441 الموافق لـ 9 يناير 2020
  • 0
  • 563 مشاهدة
صورة من كتاب مذكرات

التواضع في اللغة هو التذلل ولا تذلُّل إلا لله، والتواضع عند علماء الأخلاق هو لين الجانب والبُعد عن الاغترار بالنفس حيث قالوا إنّ التواضع هو اللين مع الخلق والخضوع للحق وخفض الجناح.

وكلمة التواضع لم ترد بلفظها في القرآن الكريم وإنّما وردت كلمات تشير إليها وتدل عليها، كما قال الله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا 63} الفرقان، قال القرطبي (هوناً) الهَوْن مصدر الهين، وهو من السكينة والوقار، وفي التفسير يمشون على الأرض حُلماء متواضعين يمشون في اقتصاد، كما قال ابن كثير أي بسكينة ووقار من غير تجبُّر ولا استكبار.

والتواضع هو قيمة من القيم وهو من فضائل الأخلاق والآداب التي حث عليها الإسلام ورغّب فيها والتي زخرت بها كتب التراث والحديث، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، وقد دعا صلى الله عليه وسلم إلى التواضع، وحَثَّ عليه بقوله: «إنَّ اللهَ أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حتى لا يَفْخَرَ أحدٌ على أَحَدٍ، ولا يَبْغِي أحدٌ على أَحَدٍ» (السلسلة الصحيحة).

ومخافة الوقوع في الفُخْر والبغي (الذي هو عكس التواضع حسب ما ورد في الحديث) دأب علماؤنا وسلفنا الصالح على عدم “تزكية النفس”، ومن مظاهر تزكية النفس ذكر محاسنها وإخفاء مساوئها، وهذا كله متفق عليه ولا خلاف فيه، ولكن هذا التحري والورع الذي سلكه سلفنا خلّف لدى عقلية المسلم (الصالح والروع) نوعا من الغُبن المعرفي والتاريخي الذي جعل كثيرا من أهل الحق يغيبون أو يُغيّبون على مسرح الأحداث ومواقع الشهادة (شهادة الحق).

ولئن أُلّفت كتب في ذكر أعلام الرجال من الصحابة والتابعين والفُقهاء والمحدثين والحُفّاظ والقادة والعُظماء من تاريخ الأمة، إلا أن ذلك بقي محصورا في طبقة “أهل العلم” ولم يبلغ إلى “أهل الشهادة” ممن شهدوا المواقع وعاشوا مُختلف الأحداث والعُصور، فكُتب “الطبقات” هي من أول مناهج البحث التاريخي التي ابتكرها المؤرخون المسلمون مبكرا.

وأكثر المصنفات المعاصرة في هذا الصنف من المؤلفات كانت حول شخصية الرسول\النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فتألفت فيها كتب ومجلدات، مثل لرحيق المختوم – المباركفوري (سيرة مختصرة لمن لم يقرأ عن السيرة من قبل)، فقه السيرة – الإمام محمد الغزالي (المعاصر)، حياة محمد – محمد حسين هيكل، عبقرية محمد – الأستاذ العقاد، سيرة الرسول – د. على الصلابي،… وغيرها.

وفي العصر الحديث فقد تشبع الإنسان المعاصر (في الغرب خصوصا) بثقافة “حقوق الإنسان” والتحرر من “جبروت السلطان”، فدأبت طبقة من السياسيين والمثقفين والمفكرين والمؤرخين والأدباء إلى نشر سيرهم الذاتية وشهادتهم على العصور التي عاشوها، فتألفت كتب في هذا الصنف من “الأدب السياسي”، مثل مذكرات حرب أكتوبر – للفريق سعد الدين الشاذلي (رحمه الله)، السادات والبحث عن الذات – الرئيس المصري محمد أنور السادات، صفحات من تجربتي – عثمان أحمد عثمان، عصر العلم – د. أحمد زويل، قصة أيامي – مذكرات عبد الحميد كشك رحمه الله، السيرة الذاتية – نيلسون مانديلا، حرب أكتوبر – الفريق الجمسي رحمه الله، قصة حياتي – شارلي شابلن، ذكريات على الطنطاوي (8 أجزاء) للشيخ على الطنطاوي، مذكرات عن الحرب الثورية – تشي جيفارا،… وغيرها.

أما في تونس فقد ذهب جيل من أفذاذ البلاد وعلمائها ومناضليها، ارتحلوا ولم يتركوا لنا أثرا مكتوبا ومخطوطا بأيديهم، فقد أفنى عشرات من رجالات تونس ونسائها حياتهم بين العلم والمعرفة والنضال ولم يتركوا لنا شهادتهم على الحقبة التي عاشوها، وأذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر:

مشائخ الزيتونة:

  • الشيخ الفاضل بن عاشور (1909 – 1970)
  • الشيخ محمد الطاهر بن عاشور (1879 – 1973)
  • الشيخ محمد الصادق بسيس (1914 – 1978)
  • الشيخ محمد صالح النيفر (1905 – 1993)
  • الشيخ عبد الرحمان خليف (1917 – 2006)

رجال الحركة الوطنية:

  • البشير صفر (1856 – 1917)
  • علي باش حانبه (1876 – 1918)
  • عبد العزيز الثعالبي (1874 – 1944)
  • محيى الدين القليبي (1899 – 1954)
  • فرحات حشاد (1914 – 1952)
  • صالح بن يوسف (1907 – 1961)

كل هؤلاء لم تصدر لهم أو لأبنائهم وأحفادهم مؤلفات تشهد على حياتهم وتقدم لنا شهادة عن الأحداث التي عاشوها، واليوم نعيش نفس التجربة حيث يرحل من بيننا عشرات الرجال والنساء من دون أن يكتبوا لنا شهادة عن حياتهم والتجربة التي عاشوها وينقلوا للباحث صورة عن المجتمع الذي عاصروه في مختلف الميادين السياسية والأدبية والحركية والفكرية، ونفقد بذلك يوما بعد يوم ذاكرتنا الوطنية التي يصعب توثيقها في غياب مصادر في شكل “سير ذاتية” و”شهادات على العصر”.

وأذكر من بين الرجال الذين مازالوا بيننا وتزخر حياتهم بالأحداث والمشاهد التي يصعب للأجيال اللاحقة أن تغفر لهم غفلتهم أو تهاونهم في نقل سيرهم ومذكراتهم الشخصية ومن هؤلاء الرجال على سبيل الذكر لا الحصر:

  • الأستاذ عبد الفتاح مورو
  • حميدة النيفر
  • راشد الغنوشي
  • الفاضل البلدي
  • حمادي الجبالي

المهدي بن حميدة
في 9 جانفي 2020

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات