fbpx

منزلة «محمد » صلى الله عليه وسلم

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • السبت 9 ربيع الأول 1440 الموافق لـ 17 نوفمبر 2018
  • 0
  • 1033 مشاهدة
محمد صلى الله عليه وسلم

قال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) سورة الاحقاف الآية 35… أنبياء الله المصنفين من أولي العزم من الرسل هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الله خصالهم في القرآن وذكر حوادث من حياتهم الرسالية والدعوية…

فقد ذكر الله قصة نوح مع قومه وسرد لنا قصة السفينة وقصة ابن نوح ودعاء نوح على قومه ودعاؤه لابنه وذكر الله عدد السنين التي لبثها نوح عليه السلام في قومه وذكر امرأة نوح… وخص الله عز وجل بذكر صفة في إبراهيم عليه السلام أنه كان أمة (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ 120) النحل، وبعد رحلته في البحث والتأمل سرد لنا قصته مع الأصنام ورميه في النار من قِبل قومه وكيف نجاه الله منها، كما ذكر معجزة ابراهيم مع زوجته العجوز العاقر وإنجابه لولده إسحاق منها، وفصّل لنا القرآن رؤيا ابراهيم في ذبح ولده إسماعيل وبناءه للبيت العتيق…

ومع موسى عليه السلام فقد فصّل الله في القرآن قصته مع فرعون وكيف نجاه الله من القتل ورميه في اليم ثم كيف خرج من قومه وورد ماء مدين ثم تكليم الله إياه مباشرة دون واسطة، ثم إرساله إلى فرعون وقصته مع بني إسرائيل بذكر تفاصيل دقيقة من معجزاته مع فرعون وخروجه مع قومه بمعجزة شق البحر بعصاه وملاقاته لربه بجبل طور وغيرها من التفاصيل في سرد قصة بني إسرائيل مع نبيهم… ومع نبي الله عيسى عليه السلام فقد ذكر الله قصة مولده وإحياءه للموتى وسائر معجزاته وذكر أصحاب المائدة ونقل الله لنا بالحرف حواره مع نبيه عيسى عندما قال له أأنت قلت اتخذوني وأمي إلهين من دون الله، ثم دحض شبهة صلب المسيح وبيّن حقيقة رفع الله له…

أما بخصوص خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، فقد اقتصر القرآن على ذكر حادثة أو اثنين لا غير وباختصار شديد، فقد ذكر الله حادثة الإسراء والمعراج ثم في الهجرة انهما (محمد وأبو بكر) في الغار وهو يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، وأشار الله (إشارات) إلى حوادث متفرقة من غزواته صلى الله عليه وسلم وذكر حواره مع زوجاته وقصته مع الأعمى وحوادث أخرى ولكن دون تفصيل ودون تدقيق مثلما دقق القرآن مع باقي الأنبياء في القصص…

ولقد خَص الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بصفة وشهادة لم يذكرها في أحد من أنبياءه، عندما قال الله فيه (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ 4) القلم… فأن يشهد الله رب العالمين بهذه الشهادة في حق أحد من عباده المرسلين فهي لعمري شهادة عظيمة تجعل من نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم أعظم رجل على وجه الأرض، ولكن دون ذكر تفاصيل وأحداث وأقوال وأدعية جاءت في حياته الرسالية والدعوية لكي تبقى قرآنا يتلى بين الناس والأجيال وأن ذلك ليس نقصا او استنقاصا، ولكن لعلم الله عز وجل أن سيرته صلى الله عليه وسلم سوف تُكتب وتُدون بتفاصيلها وتدقيقاتها وتبقى مؤلفات تتداول بين الناس جيلا بعد جيل…

وما بعض الدعوات والحملات التي تنشر من هنا وهناك حول مدى صحة كتب السنة (صحيح البخاري بالخصوص) ففيها الغث والسمين، فيها ما هو بحثي علمي تحقيقي وفيها أو أكثرها ردة فعل على المدرسة السلفية (الوهابية وتفريعاتها) التي جعلت من كتب الصحيحين (البخاري ومسلم) في نفس مرتبة القرآن من حيث الصحة، بل وصل بهم الأمر (السلفية الوهابية) أن يسبقوا صحيح البخاري على القرآن في كثير من فتاويهم وحملاتهم، فحرٌفوا بذلك رسالة الإسلام وجعلوا فروعه وفروع فروعه مقدم على مقاصده وروحه في نشر العدل والحريّة والعدالة الاجتماعية وغيرها من مقاصد الشريعة الكبرى…

وبعيدا عن هذه الحملات وردّات الفعل تجاه كتب السنة والسنة في عمومها، تبقى كتب السنة صحيحة في مجملها، والنذر القليل من الأحاديث الواردة في كتب الصحاح والتي تحتاج إلى مزيد من التحقيق والتدقيق (بعد توفر وسائل معاصرة في جمع الدواوين ومقارنتها وعرضها على علوم القرآن وغيرها من وسائل التحقيق والبحث العلمي) لا يجب أن يغطي على مجمل السنة الصحيحة التي نقلت لنا محطات مهمة من تاريخ الرساتلة المحمدية وصفات وخصال وأعمال وغزوات وتصرفات محمد صلى الله عليه وسلم مع زوجاته وأصحابه وأعدائه والتي نقلت لنا بأمانة ما جاء في شهادة الله عز وجل له بأنه على خُلُق عظيم، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان قرآنا يمشي بين الناس كما جاء ذلك على لسان عائشة رضي الله عنها…

قال تعالى (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب، فالأُسوة والقدوة الحسنة (هناك كثير من القُدوات على مدى التاريخ ولكن القُدوة بمحمد صلى الله عليه وسلم وصفها الله بأنها قدوة حسنة) هي السبيل للمسلمين لكي يرسموا للبشرية معالم على طريق الخلاص (الخلاص المعرفي والوجودي والبدائلي)، كما أن رسالة الإسلام الصحيحة والجوهرية في نشر العدل والقضاء على الظلم والفساد ونشر الحرية والقضاء على الاستعباد والاستبداد، والتخلق بخُلق نبي الإسلام (من تمسك بالحق وانتصار للضعفاء) والعمل بما جاء من التشريع في القرآن والسنة (بخصوص النوع الإنساني والعلاقات الأسرية والمبادئ الاقتصادية الكبرى وعلاقات السلم والحرب والعمل بتجارب الإنسانية التي نقلها القرآن) هو السبيل لنهوض أمة العرب والمسلمين، ولقد جاء الإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ 107) الأنبياء، وليس نقمة كما يريد أن يصوره لنا دعاة « النمط » الذين ركبوا على جواد « الارهاب » لكي ينشروا دعوات أسيادهم (من بني صهيون ومن والاهم) في العداء لمحمد وملته ودينه ومبادئ الإسلام التي جاء لنشرها وتعميمها على سائر البشر…

والحقيقة المُحصّلة بالنهاية أن مستقبل البشرية سوف لن يكون بمعزل عما جاء به محمد (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ 85) آل عمران، وهذا جوهر القضية، فكل الاجتهادات التي ساقتها لنا التجارب الانسانية بالتأكيد سوف يقع الاستفادة منها في جوانب من الحياة العلمية والصناعية والاقتصادية والتجارية وفي طُرق إدارة الحكم (التي سكت عنها القرآن ولم يقل فيها أي كلمة، والشورى ليست مبدأ في إدارة الحكم بقدر ما هي في إدارة المجموعات والجماعات البشرية) ولكن ذلك سوف لن يكون بمعزل عن التشريع والنوع الإنساني (أصل الخلق وثنائية الذكر والأنثى) الذي بشر به محمد صلى الله عليه وسلم نقلا عن رب العالمين، قال تعالى (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا 115) النساء.

المهدي بن حميدة
في 17 نوفمبر 2018

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات