fbpx

معنى “التطبيع” بالنسبة للتونسيين

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الخميس 7 ربيع الأول 1440 الموافق لـ 15 نوفمبر 2018
  • 0
  • 552 مشاهدة
حج الغريبة لليهود بجربة تونس

كثيرا ما نسمع مصطلح “التطبيع” هذه الأيام، وتعريفه لغة: هو من فعل طبَّعَ يُطبِّع ، تطبيعًا، فهو مُطبِّع، والمفعول مُطبَّع مصدر طَبَّعَ أي دَعَا إِلى تَطْبِيعِ العَلاَقَاتِ مَعَ العَدُوِّ: إِلى جَعْلِهَا عَادِيَةً…

وأما التعريف الاصطلاحي، فهو لا يبعد عن التعريف اللغوي، من حيث هو مصطلح سياسي يشير إلى «جعل العلاقات طبيعية» بعد فترة من التوتر أو القطيعة لأي سبب كان.

وهنا وجب تحديد مفهوم العدو من بني البشر الذي يستوجب القطيعة والعداوة، حيث جاء في الآيات 8-9 من سورة الممتحنة قوله تعالى (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

والعدو بالنسبة للتونسيين هو كل من يعتدي على حرماتهم (الجسدية والمادية) وأعراضهم وأموالهم وأرضهم ومقدساتهم، فالذين اعتدوا على حرمات التونسيين وأعراضهم وممتلكاتهم هم زبانية التجمع المنحل (وكبيرهم) وبعض المسؤولين الأمنيين ممن تورطوا في التعذيب والقتل وانتهاك الأعراض والحرمات… كما أن المسؤولين المتسببين في الإخراج من الأرض (تونس) بالنسبة للمهجرين زمن الاستبداد والذين حَرَمُوا الناس من جوازات سفرهم لأكثر من عقدين يدخلون في خانة الأعداء (رئيس الدولة، وزير الداخلية،…)…

ثم في الأخير يأتي المعتدون على الدين والمقدسات وعلى رأس المقدسات بالنسبة للتونسيين هو المسجد الأقصى المبارك، إذ قال الله فيه (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 1) الإسراء… فالقدس وما حوله بالنسبة للتونسيين هو أرض مباركة افتكها واعتدى عليها حكام تل أبيب ومن آزرهم وساندهم ووقف معهم، وقد استوجبوا بذلك عداء التونسيين…

ومن ذلك اتخذ التونسيون من قضية فلسطين قضيتهم للدفاع عن الأقصى المبارك، وأما قتال الفلسطينيين (كشعب) وإخراجهم من أرضهم فذلك راجع للفلسطينيين أنفسهم بدرجة أولى وجب أن يدافعوا عن أرض فلسطين كل فلسطين، وأما واجب النصرة لهم فهو من باب الانتصار لحق الضعفاء وحق الإنسانية إضافة إلى حق الأخوة في الدين، الذي يستوجب منا كتونسيين الوقوف مع الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم التي سلبت منهم…

وكل من يدعو إلى “التطبيع” أي جعل العلاقات مع زبانية بن علي (ممن تورطوا في الاعتداء) علاقات طبيعية، يعني يعترضوننا في الشوارع والمنتديات فنلقي عليهم السلام ونتعامل معهم كما نتعامل مع أي تونسي، هو تطبيع غير جائز وهو منهي عنه بلغة كل الشرائع ما لم تُرد الحقوق إلى أصحابها ويقع جبر الأضرار التي من الممكن جبرها…

كما أن كل من يدعو إلى تطبيع العلاقات مع من يحكمون تل أبيب أو يذهبون ويزورون تلك الأماكن أو يمتلكون عقارات بها، هو مُطبَّع خارج عن الشرع والقانون… ووزير السياحة ريني الطرابلسي (René Trabelsi) الذي وقعت تزكيته مؤخرا بالبرلمان التونسي بـ131 صوتا دعا في أكثر من مناسبة إلى جعل العلاقات مع شعب “إسرائيل” وحكام تل أبيب، علاقات طبيعية يزوروننا ونزورهم (في إطار التبادل السياحي) بتعلة النهوض بالسياحة في تونس، وهذا مُنكر ومرفوض لأن السياحة في تونس لا يمكن أن تنهض مع من نصبوا لنا العداء واعتدوا على مقدسات التونسيين ومقدسات المسلمين…

والمغالطة الأخرى التي يروِّج لها دعاة التطبيع (في تونس وخارجها) أن قضية فلسطين تهم شعب فلسطين، والفلسطينيون أولى بالدفاع عن أنفسهم، وهذا كما أشرت آنفا خطأ مردود عليه لأن التونسيين لا يدافعون عن اللاجئين الفلسطينيين بدرجة أولى (وإن كان هذا موكل إلى الأمم المتحدة والقوانين والشرعية الدولية التي تمنحهم حقهم) وإنما يدافعون عن الأقصى المبارك وما جاء حوله من أرض مباركة اعتدى عليها واغتصبها الصهاينة حكام وسكّان تل أبيب… ومن هذه الزاوية اتخذ التونسيون من يسكنون الأراضي المغتصبة صهاينة كانوا أم يهودا طبيعيين (ولا يوجد يهودي طبيعي داخل الأراضي المحتلة) اتخذناهم وسوف نتخذهم أعداء طالما يحتلون فلسطين ويعتدون على القدس الشريف…

فالتطبيع مع من قتل وسفك الدم وعذّب وانتهك العرض (الأمنيون الذين رُفعت ضدهم قضايا) ، وكذلك مع من اغتصب أموال الناس (الطرابلسية) وسرق ونهب اموال الشعب (الفاسدون من رجال أعمال ووزراء وأصحاب شركات كبرى)، هو لا يقل جرما وإفسادا في الأرض مع من طبّع مع العدو الصهيوني الذي اعتدى على المقدّس واغتصب الأرض وهجّر شعبا بأكمله، كلهم في نظر الشرع والقانون (الدولي والإنساني) مطبّعون وكلهم مسؤولون عن هدر تلك الحقوق وعدم محاسبة المعتدين.

المهدي بن حميدة
لوزان في 15 نوفمبر 2018

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات