fbpx

الشأن السياسي والشأن الديني

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الخميس 25 ذو القعدة 1438 الموافق لـ 17 أغسطس 2017
  • 0
  • 418 مشاهدة
مظاهرة ضد لجنة الحريات والمساواة تونس1

أكبر زوبعة عرفها التاريخ المعاصر في كافة أقطار الأرض هي زوبعة اللائكية والعلمانية تحت شعار “لا دخل للدين في السياسة”، وما فتئ السياسيون والمفكرون والمثقفون والمبدعون يرددون هذه المقولة في كل مناسبة ولقد صموا بها آذاننا وقذفوا بها حركات وأحزاب وجمعيات واتهموهم بالظالامية والرجعية والكهنوتية والارهاب وغيرها من صنوف التهم لا لشيء إلا لأن أهل التوجهات والميولات الدينية أبدوا وجهة نظرهم في شؤون وأمور سياسية او اجتماعية أو ثقافية متحركة غير ثابتة لا اله فيها ولا ومعبود.

كما في نفس الوقت أكثر حصان رُكب عليه من قبل السياسيين والفنانين والمثقفين والمبدعين هو حصان الدين، حيث لا تجد فنانا او سينمائيا أو مفكرا أو مبدعا يريد الإبداع في شيء إلا في المواضيع ذات الحساسية الدينية، وأكثر الناس استعمالا للدين على مدى تاريخ البشرية جمعاء هم السياسيون والملوك والسلاطين والحكام بصفة عامة… حيث يستعملون الدين أو يضربون على الوتر الديني لشعوبهم من أجل خدمة مصالحهم وخدمة ديمومة حكمهم وتذليل رقاب شعوبهم لصالحهم…

هذا التداخل بين الديني والسياسي هي أقدم الحروب التي عرفتها البشرية وستظل هذه الحرب مشتعلة إلى قيام الساعة ولقد قال تعالى في هذا المضمار ما ورد في الآية 40-41 من سورة الحج (وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)… وهي (هذه الحرب) من أكثر الحروب ظلما وتحيزا لطرف دون طرف، فإن أنت دخلت باسم الدين وأردت أن تنشر معروفا أو تعطل باطلا قامت عليك الدنيا ولم تقعد متهمين إياك بإدخال الدين في السياسة، في حين يسمح السياسيون والملوك والحكام لأنفسهم التدخل في الدين واستعمال الدين والضرب على الوتر الديني لشعوبهم من أجل خدمة مصالحهم السياسية وخدمة ديمومة حكمهم.

ولقد استعملت العرب وقبائل وعشائر قريش في أول الرسالة المحمدية هذه الخدعة من أجل ثني نبي الإسلام عن مواصلة أداء رسالته (الدينية والسياسية) متهمين إياه مرة بالتعرض لآلهتهم ومصالح تجارتهم ونفوذهم ومستعملين أسلوب الإغراء بالحكم والمال مرة أخرى من أجل عدم حشر الدين في شؤون دنياهم ومعيشتهم وتجارتهم. ولقد قُمعت حركات تحرر في العالم وحوصرت وأُبيدت شعوب بأكملها باسم الدين وخلط الدين بالسياسة، وآخر ضحايا هذه الحرب هو بدعة جديدة ابتدعتها حركة سياسية في هذا القرن وهو ما اسطلح عليه بفصل السياسي عن الدعوي (أي الديني)، وفي أول صفعة ورد على استجابة الحركة الإسلامية في تونس على الفصل بين الديني والسياسي هو هذه الزوبعة والحرب الدينية بامتياز التي أطلقها أكبرهم في السياسة والمتوقع السياسي (رئيس الجمهورية) بالدعوة لسل مسمار المساواة في الإرث بين الأنثى والذكر من منظومة المواريث التي شرعها الله في كتابه وأنزل في شأنها آيات محكمات لا تحتمل التأويل والاجتهاد…

هذا الاستفزاز للشعوب والضرب على وتر الدين من قبل السياسيين والحكام والمساس بالمقدس الديني من قبل السياسيين وهواة الحكم هو نتيجة ابتعاد هذه الشعوب عن دينها وتفريطها في علماءها وإسقاط واجب “الجهاد” من سلم أولوياتها، وعندما قال تعالى في سورة البقرة الآية 251 (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ) يقصد لولا الجهاد (السياسي والمسلح) والتسلح بالعلم والمعرفة ووسائل القوة لفسدت الأرض، والسياسيين الذين ما فتؤوا يفسدون الدين على شعوبهم هم في نهاية المطاف مفسدون في الأرض تحركهم غرائزهم وتتلاعب بهم مصالحهم وتتجاذبهم قوى الشر والسيطرة في العالم، مستغلين تجرُّد خصمهم من السلاح (فصل الدين عن السياسة) لكي ينفشوا مخالبهم في جسم الأمة ويقتلوا فيها روح المقاومة والسلم الاجتماعي والتماسك الأُسَري والعائلي.

وما فعله رئيس “الجمهورية” في تونس في مناسبة هي من الرمزية بمكان (العيد الوطني للمرأة) لهو من باب استعمال الدين وإدخال السياسة في الدين، والسياسة شيء متحرك ودائم الحركة ولا شيء ثابت في السياسة بينما الدين فيه المتحرك وفيه الثابت ومن ثوابته العقائد والعبادات والأحكام القطعية الورود القطعية الدلالة التي لا اجتهاد فيها، كما جاء في القاعدة الأصولية لا اجتهاد مع النص والمقصود به لا اجتهاد مع نص قطعي الورود (القرآن) قطعي الدلالة أي لا لُبْس في فهمه ولا مجال لتأويله.

وسبب تجرّأ السيد الباجي قائد السبسي على مقدسات التونسيين هو ضعف خصومه السياسيين وبالدرجة الأولى خصمه الأول وشريكه في الحكم السيد راشد الغنوشي الذي جرّد جيشه (حزبه) من السلاح وإعلان وقف “القتال” في كل ما يتعلق بالدِّين (فصل السياسي عن الدعوي) فجاء الرد سريعا وأسرع مما كان يتصوره الغنوشي ووجد الشعب نفسه أعزل بدون “جيش” (حزب انتخبه) يدافع عن مقدساته بعد أن نصّب الغنوشي نفسه وأعلن لشعبه على مدى أربعين سنة أنه صِمَام أمان الدين والمدافع عن ضمير التونسيين وعن معتقدهم ومقدسهم، والذي أوصل الغنوشي وحزبه إلى هذه الدرجة من التموقع السياسي والحزبي لا هو الكفاح ضد المستعمر (بورقيبة) ولا هو العيون الخضراء للغنوشي وإنما الذي أوصله إلى هذه المكانة من التموقع في الحكم او المعارضة هو استئمان الشعب عن معتقده ودينه وهويته لدى هذه الفئة من الناس، فكانت النتيجة كما ترون شعب أعزل بدون سلاح (الحكم والقرار) في مواجهة فئة باغية نصبت نفسها المشرّع له في كل ما يتعلق بشؤونه الأسرية والشخصية.

وبما أن الأحزاب تموت والشعوب لا تموت، فالشعب التونسي اليوم مطالب أكثر من أي وقت مضى بالتمسك بثوابت دينه وإعادة الاعتبار لعلمائه والرجوع لمساجده والنظر في الكتاب الذي بين يديه (القرآن) والعمل بقوله تعالى { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} لكي يمتلك سلاح العلم والتعلم ويقاوم أعداء الأمة والدين الذين يريدون إفساد الدين وإفساد السياسة معا…


المهدي بن حميدة
‎17 أوت 2017

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات