fbpx

هل يدفع الأتراك اليوم ثمن معاهداتهم مع الفرنسيين منذ 500 سنة؟

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الثلاثاء 16 ذو القعدة 1441 الموافق لـ 7 يوليو 2020
  • 0
  • 1040 مشاهدة
اتفاقيات سليمان القانوني مع ملك فرنسا خلال القرن 16

لقد تميزت الحقبة ما بين 1520 و1575 بالصراع بين الأوروبيين والأتراك للسيطرة على حوض البحر الأبيض المتوسط (للسيطرة على التجارة البحرية)، ولقد عمد السلاطين الأتراك (سليمان القانوني) سياسة التحالف مع الفرنسيين وتخصيصهم “بامتيازات” لعزل ملك إسبانيا (شارلكان) وحلفائه الإيطاليين والنمساويين والألمان عن بقية الشعوب الأوروبية.

ونتيجة هذه التحالفات، فقد وقعت تونس تحت الاحتلال الإسباني الإيطالي الألماني سنة 1535 وحتى 1574، ومنذ ذلك الحين ظل التعامل الفرنسي التركي يتصف بالابتزاز والنفاق والدسائس (من قبل الفرنسيين) والانكسار الخضوع (من قبل الأتراك) نتيجة تلك المعاهدات التي وضعت الفرنسيين في درجة “الامتياز” أمام نظرائهم الأوروبيين، وكبّلت أيدي الأتراك.

ولقد عقد السلطان سليمان القانوني معاهدة مع “فرنسوا الأول” ملك فرنسا سنة 1528م حددت فيها الدولة العثمانية الامتيازات التي سبق أن منحها سلاطين دولة المماليك الشراكسة للفرنسيين، وكفلت المعاهدة الجديدة لتجار فرنسا ورعاياها الأمن والسلامة على أرواحهم وأموالهم ومتاجرهم، في المدة التي يمكثون فيها في أراضي الدولة العثمانية، وتعطي لهم الحق في التنقل بحرية برا وبحرا، وممارسة التجارة، دون أن يمسهم أحد بسوء، أو يتعرضوا لمضايقات من قبل السلطات العثمانية. ونظمت المعاهدة إقامتهم وطريقة معيشتهم في أحياء أو خانات خاصة بهم، نصت على عدم المساس بكنائسهم أو فرض ضرائب عليها.

وشجّع نجاح تطبيق هذه المعاهدة أن سارع ملك فرنسا فرنسوا الأول والسلطان سليمان القانوني على إبرام معاهدة جديدة، قوى من الإسراع في عقدها العلاقات الودية التي تربط بين العاهلين الكبيرين، وعقدت هذه المعاهدة سنة 1535م وعرفت باسم معاهدة صداقة وتجارة بين الإمبراطورية العثمانية وفرنسا كانت أكثر شمولا من المعاهدة السابقة، وتقرر فيها منح فرنسا وسائر رعاياها الذين يذهبون إلى أقاليم الدولة العثمانية شتى الامتيازات في مقابل منح الرعايا العثمانيين امتيازات مماثلة لها تقريبا.

وبعد موت ملك فرنسا فرانسوا الأول، انتهج ابنه هنري الثاني سياسته في دعم علاقته بالدولة العثمانية، وتوثيق الصداقة، والاستعانة بأسطولها البحري وقت الحاجة، فعقد معاهدة مع الدولة العثمانية في (1 فيفري 1553م) بمقتضاها تساعد البحرية العثمانية فرنسا في فتح جزيرة كروسيكا، وأن يقدم لها ستين سفينة حربية مجهزة بالأفراد والعتاد، ونصت الاتفاقية على أن تكون الغنائم والأسرى من نصيب العثمانيين ولو كانوا من المسيحيين، كما حوت الاتفاقية على نصوص أخرى لتنظيم التعاون بين الدولتين في هذا المجال، ونجح الأسطول العثماني والفرنسي في فتح جزيرة كروسيكا بفضل هذا التحالف.

ظل السفراء الفرنسيون منذ معاهدة 1528 مقربون لدى السلطان العثماني يدخلون عليه في ديوانه ويشاركون في مجلسه يقدمون له “النصائح” في شكل دسائس، خصوصا فيما يتعلق بنفوذ “آل بربروس” (عروج وخير الدين) عندما أقاموا دولتهم في الجزائر، وظلت هذه الدسائس تجول في البلاط العثماني 4 قرون مما أضعف السلطان ووصل بالإمبراطورية العثمانية إلى التقسيم في أواخر القرن التاسع عشر، والذي انتهى باحتلال الفرنسيين للشمال الإفريقي (الجزائر – تونس – المغرب – موريتانيا) وكامل غرب القارة الإفريقية وجزء من الشرق الأوسط (مصر – سوريا – لبنان).

واليوم يعود نفس الصراع على النفوذ وبسط السيطرة على حوض البحر الأبيض المتوسط بين الأتراك والفرنسيين، وهو يعود -حسب اعتقادي- إلى تلك “الامتيازات” التي خُصّت بها فرنسا على سائر الدول الأوروبية زمن النفوذ الإسباني على المتوسط.

المهدي بن حميدة
في 7 جويلية 2020


المراجع:
سليمان القانوني وفرنسا – أحمد تمام
الأتراك العثمانيون في إفريقيا الشمالية – عزيز سامح التر

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات