fbpx

محمد بن محمد بن رمضان بن حميدة 1/2

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الثلاثاء 14 ذو الحجة 1438 الموافق لـ 5 سبتمبر 2017
  • 0
  • 690 مشاهدة

تاريخ حياتي ولقطات من تاريخ حياة أبي وجدّي وأبنائي: مراد والمهدي وإكرام ومفيدة ورشدي وشوقي وسندس

الجزء الأول

محمد بن محمد بن رمضان بن حميدة بتارخ كتابة هذه المذكرة - 1 نوفمبر 1992
محمد بن محمد بن رمضان بن حميدة بتارخ كتابة هذه المذكرة – 1 نوفمبر 1992

أنا محمد وأبي محمد وجدّي رمضان بن أحمد بن الحاج علي بن حميدة الحنحاني، أما جدّي رمضان فانا لا أعرفه ولكن أسمع عنه من الناس الذين يعرفونه، فجدّي رمضان كان من مواليد سنة 1860 تقريبا وهو الوحيد من الذكور أما شقيقاته من الإناث فهنّ سبعة لا أعرف منهنّ إلا فاطمة حميدة وهي الصغيرة في أخواتها البنات وتوفيت سنة 1944 تقريبا، وكانت تحبني كثيرا لأني أقرأ لها القرآن منذ كنت أتعلّم في الكُتّاب وكانت تحب أبي لأنه يتيم الأم.

كان جدّي رمضان ذا وجاهة يحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب ويجالس العلماء والوجهاء أمثال الإمام أحمد الزياني والعالم بن صالح، تزوج جدّي رمضان امرأة اسمها فاطمة من عائلة دار بن المدّب فأنجب منها والدي محمدا وتوفيت وتركت والدي طفلا صغيرا ثم تزوج جدّي رمضان ثانية من خدّوجة بنت محمد زقاد الذي أنجب منها عمي الصادق وعمتي فطيمة وعمتي منوبية وعمي أحمد، وعاش والدي محمدا ربيبا بينهم، فحنّت عليه عمّته فاطمة التي ذكرتها سابقا وربّته واعتنت به عناية كبيرة.

عاش والدي محمدا محروما من حنان الأم ولهذا كان أميّا لا يعرف القراءة ولا الكتابة، بخلاف عمي الصادق وعمي أحمد فهما يحفظان القرآن الكريم حفظا جيّدا رحمهم الله جميعا، توفي والدي سنة 1952 عن سن 56 عاما وتوفي عمي الصّادق سنة 1992 عن سنّ 84 عاما وتوفي عمي أحمد عن سنّ 80 عاما.

تربّى والدي عند عمّته فاطمة حميدة إلى أن كبُر وتزوّج امرأة أولى من دار الدهليز وهي اخت علي مخلوف وهي أم أولاد أحمد لحمر، لكنها هربت عليه وطلّقها وتزوجت أحمد لحمر، ثم تزوج والدي امرأة ثانية وهي امي شُهرت فطيمة بنت الحاج محمود الشيخ علي مخلوف وهي مازالت تعيش إلى حد كتابة هذا التاريخ الذي هو يوم الأحد 18 أكتوبر 1992، وعمرها الآن 92 عاما حسب التصريح الموجود بمضمون ولادتها في 26 أكتوبر 1900 ربي يبارك فيها وفي صحتها ويجعلنا في طاعتها بعد طاعة الله.

أنجب والدي من فطيمة مخلوف بنتا وماتت رضيعة ثم أنجبني أنا محمدا وإخوتي رمضان والهادي وشقيقتي الوحيدة فاطمة (توفيت والدتي فطيمة حسب شهرتها اما في الأوراق فهي فاطمة توفيت يوم الثلاثاء 18 اوت 1998 على الساعة العاشرة و45 دقيقة ليلا ودُفنت في اليوم الموالي رحمها الله.

محمد بن حميدة في السنة التي دخل فيها إلى جامع الزيتونة المعمور 1945 وهي اول صورة شمسية التقطت له
محمد بن حميدة في السنة التي دخل فيها إلى جامع الزيتونة المعمور 1945 وهي اول صورة شمسية التقطت له

أنا محمد بن محمد بن رمضان بن أحمد بن الحاج علي حميدة المولود صبيحة يوم الجمعة على الساعة الثامنة السابع من شهر جمادى الثانية 1346 هـ الموافق للثاني من شهر ديسمبر 1927 م بالمنزل الكائن بنهج الحبيب ثامر والمحادي لجامع التوبة بالمعمورة من جهة الشمال فهو منزل الجدّ هناك تربيت وترعرعت ولعبت فيه ولما صار عمري في سن الدراسة أدخلوني إلى الكُتّاب أتعلّم القرآن الكريم عند الم}دب محمد الزياني شقيق العالم الكبير الشيخ عبد القادر الزياني رحمهما الله وذلك في سنة 1933-1934 والمحل هو نادي الشعبة الآن (الزاوية).

هناك تعلّمت القرآن وحفظته عن ظهر قلب ولم أدخل إلى المدرسة الحكومية للتعليم العصري في ذلك الزمن والتي هي الآن تسمى مدرسة ابن سينا لأن والدي لا يحبان لغة الكفّار وكل أو جل مواطني القرية أمثال والدي في نفس التفكير. في ذلك التاريخ عندما فتحت المدرسة سنة 1934 وفي الحرب العالمية الثانية التي بدأت سنة 1939 إلى سنة 1945، تخرّجت من الكُتّاب سنة 1941 وعوض أن أخرج إلى تونس أتعلّم بجامع الزيتونة مثل صديقي وزميلي محمد بن حسونة الصيد الذي هو عشير الطفولة وزميل الكُتّاب فعوض أن أتعلّم مثله دخلت في خدمة الفلاحة مع خالي الصادق الشيخ علي مخلوف لأن والدي كان فقيرا وجاهلا ولا يعرف معنى العلم رحمه الله وسامحه.

محمد بن حميدة امام جامع الزيتونة مع أحد الطلبة سنة 1946
محمد بن حميدة (على اليسار) أمام جامع الزيتونة مع أحد الطلبة سنة 1946

قضيت في خدمة الفلاحة من سنة 1941 إلى سنة 1945 أي أربع سنوات وفي شهر سبتمبر سنة 1945 على ما أتذكّر كنت في طريقي إلى وادي العين (داروفة) صدفة تلاقيت مع الشيخ العالم والإمام الخطيب أحمد الزياني في ذلك التاريخ رحمه الله، فبعد التحية والسلام سألني سؤالا ليتأكّد من نفسه حسب ما يسمع عني من حفظي للقرآن الكريم حفظا جيّدا، فقلت له نعم أنا أحفظ القرآن جيّدا، فقال لي جملة هي كانت السبب في خروجي إلى تونس وتحمّسي لتلقي العلم بجامع الزيتونة المعمور.

قال لي رحمه الله :” يا خسارة حفظ القرآن وحده لا يكفي بدون فهمه وفهمه لا يكون بدون تعلّم العلم واللغة” فمنذ تلك اللحظة قررت في نفسي أن ألتحق بجامع الزيتونة لأتعلّم العلم كلفني ذلك ما كلّفني، والتحقت بوالدتي في ذلك اليوم بوادي العين وهي تنقي (تنظف) الحشيش من مشتلة البصل، فحكيت لها عما قال لي الشيخ أحمد الزياني وعما تركه في نفسي من إحساس نحو التعلم بجامع الزيتونة وكانت أمي تحب العلم والقرآن وتميل كثيرا إلى علوم الدّين والتديّن فوافقتني على الخروج إلى تونس في شهر أكتوبر المقبل من سنة 1945، وكان الأمر كذلك فالتحقت بصفوف طلبة العلم وتوكلت على الله إلى أن تحضّرت إلى شهادة الأهلية التي هي صعبة على خرّيجي الكتاتيب وفعلا أخفقتُ في هذه الشهادة مدة عامين وفي العام الثالث أي سنة 1950-1951 نجحت والحمد لله واجتزت هذه العقبة.

الأهلية هي أول الشهادات التي كان يمنحها جامع الزيتونة، بعد دراسة تدوم أربع سنوات. وقد أحدثت هذه الشهادة طبقا للأمر العلي المؤرخ في 30 مارس 1933. وكانت امتحاناتها تتم في الفروع الزيتونية داخل البلاد، وفي العاصمة، وتعلن نتائجها على أعمدة الصحف الوطنية.

محمد بن حميدة في 7 مارس 1950 سنة تقدمه إلى امتحان الأهلية بعد دراسة دامت أربع سنوات
محمد بن حميدة في 7 مارس 1950 سنة تقدمه إلى امتحان الأهلية بعد دراسة دامت أربع سنوات

تماديت في تلقي العلوم الدراسية إلى سنة أو بالأحرى إلى صائفة 1952 في 10 أوت أحسّ والدي بآلام مرض “الفتق” فحملته إلى تونس وأعانني على حمله إلى تونس السيد محمد بن سلامة الصغير (الحاج علي) وكنا تلاميذ نُعلّم الأطفال دروسا لتحضيرهم إلى الدخول إلى جامع الزيتونة، حملت والدي إلى مستشفى الطليان في ذلك الوقت الذي هو مستشفى الحبيب ثامر الآن، وهناك دخل إلى بيت العملية وأُجريت عليه عملية جراحية التي لم يكتب لها النجاح في ذلك التاريخ وتوفي والدي على إثرها يوم 13 أوت 1952 رحمه الله رحمة واسعة.

تركني والدي وعمري 25 سنة وانا أهيئ نفسي للدخول إلى السنة الثانية بعد الأهلية أو تسمى السنة السادسة وفي السنة السابعة يكون التحضير لشهادة التحصيل (بمثابة الباكالوريا اليوم) وتوكلت على الله في مواصلة دراستي بجامع الزيتونة إلى سنة 1954 تحصّلت على شهادة التحصيل وكان كل طالب منا لا يفكّر في الوظيفة لأنه أمام عينيه مستحيل لأن البلاد مازالت ترزح تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، فالتونسي مهما قرأ وتحصّل على الشّهائد فلن يدخل الوظيفة أبدا إلا إذا كان من أعوان المستعمر.

التحصيل هي شهادة كان يحصل عليها طلبة التعليم الزيتوني في نهاية المرحلة الثانوية أي بعد أربع سنوات من حصولهم على أولى الشهائد الزيتونية المسماة بالأهلية . وقد أحدثت شهادة التحصيل طبقا للأمر العلي المؤرخ في 30 مارس 1933.

محمد بن حميدة في 8 أكتوبر 1956 وهي السنة الثالثة من التعليم العالي والتي هي سنة التحضير إلى شهادة العالمية
محمد بن حميدة في 8 أكتوبر 1956 وهي السنة الثالثة من التعليم العالي والتي هي سنة التحضير إلى شهادة العالمية

 

فبعد شهادة التحصيل واصلت تعلمي ودراستي حتى فتح الله على هذه البلاد بالحصول على الاستقلال وذلك نتيجة كفاح أبنائها المخلصين، فبالحصول على الاستقلال فُتحت الأبواب في وجوه المواطنين وخصوصا أصحاب الشهائد وبالأخص المتخرجين من المدرسة الصّادقية أما شهائد الزيتونة فأبوابها محدودة في التعليم والعدلية، فكنت من الذين شاركوا في مناظرة الدخول إلى التعليم فلم أنجح في الأولى والثانية سنة 1955-1956 وفي صائفة 1956 نجحنا في الكتابي وكنا ستة أو سبعة من أبناء المعمورة وفي الشفاهي نجح الجميع إلا انا لكن في تلك السنة 1956 نجحت من السنة الثانية إلى السنة الثالثة من التعليم العالي بعد التحصيل والتي هي سنة التحضير إلى شهادة العالمية (وهي أعلى الشهائد العلمية الزيتونية) وفي غرة نوفمبر 1956 سنبدأ في دروس السنة الثالثة لكن في ذلك اليوم جاءتني رسالة من وزارة التربية تعلمني فيها بتسميتي كمعلّم وقتي بمدرسة البطّان من معتمدية طبربة فالتحقت بالتعليم كمعلم وقتي وتركت دراستي بجامع الزيتونة لأني في أشدّ الحاجة إلى المال وكنت في ذلك الوقت لا أكسب شيئا إلا كسوتي المتواضعة فوق ظهري والمتمثلة في سورية وسروال وجُبّة.

الشهادة العالمية هي شهادة الدكتوراه الأستاذيه كما هو الحال في جامعة الأزهر الشريف، كما ذكر ذلك في كتاب “تعريب الألقاب العلمية” لبكر أبو زيد. حيث أن علماء العربية قاموا في القرن التاسع عشر والعشرين بتعريب بعض المسميات الغربية للاجازات العلمية. و هذه الدرجة العليا تعرف في أوربا بالهابيليتسيون أو شهادة التأهل للأستاذية و تعادل في إنجلترا الدكتوراه العالية الشرفية LLD أو LD. وللدلالة على الحصول على هذه الدرجة يستخدم لقب Professor Doctor.
فسمّوا الليسانس بالعالية، والماجستير بالعالمية، والدكتوراه بالعالمية العالية أو الاستاذية.

يتبع في الجزء الثاني

هذا الجزء الأول من مذكرات الوالد التي وجدتها عنده كتبها في 1 نوفمبر 1992 وانتهى من كتابتها في 2 ديسمبر 1997 عندما بلغ السبعين عاما… وسيتبع الجزء الثاني حالما أنتهي من إعداده

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات