fbpx

ثورة على الثورة: عبرة لمن يريد أن يعتبر

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • الثلاثاء 15 ربيع الثاني 1439 الموافق لـ 2 يناير 2018
  • 0
  • 475 مشاهدة
الثورات العربية

كإسلاميين سعدنا لقيام ونجاح الثورة الإسلامية في إيران على حكم الشاه سنة 1979، وأقدمنا على قراءة الفكر الشيعي في الفلسفة والتغيير على يد كتاب ومفكرين عراقيين ولبنانيين وحتى إيرانيين كتبوا باللغة العربية أو تُرجمت كتبهم للعربية سنوات الثمانينيّات.

وباستماعنا اليومي لنشرة أخبار طهران باللغة العربية كل ليلة على الساعة الحادية عشر والتي كانت تُستفتح بالآيات الأولى من سورة القصص “وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ” (5) كنّا نعتقد مضمون ومظنون الآية كشعار للثورة في إيران… وطيلة الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) كنّا نتعاطف مع الثورة باعتبار أنها ثورة الدفاع عن المستضعفين والمظلومين والمقهورين في العالم في مواجهة الغطرسة الغربية والاحتلال الصهيو-أمريكي.

ثم بعد تجرّع الخميني لكأس السم سنة 1988 ووقفه للحرب على العراق بدأ يتبين لنا أن المعادلة ليست معادلة إقليمية وخليجية (عراقية-إيرانية) أو حتى إسلامية وغير إسلامية (بعثية) فقط وإنما هي معادلة دولية يدعم فيها كل حلف حليفه من أجل تحقيق مصالحه وعلى رأسها مصالح أمريكا من خلال العراق وكذا مصالح روسيا من خلال إيران طيلة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، والحال أن الدماء الأفغانية مازالت تسيل على أيدي الترسانة العسكرية السّوفياتية.

بعد غزو صدام حسين للكويت سنة 1990 وانطلاق حرب الخليج الثانية في فيفري 1991، أصبح تعاطفنا مع العراق (الأرض) في مواجهة العدوان الأمريكي لا غبار عليه برغم إدانتنا الواضحة لاحتلال الكويت من قِبل العراق (النظام)، وصارت إيران (الثورة) بالنسبة إلينا محل تحفّظ وانتباه أمام عشرات الأسئلة التي تجول بخاطرنا فيما يتعلق بمبدإ “تصدير الثورة” الذي هو في الحقيقة تصدير للفكر والمعتقد الشيعي الاثنا عَشَري الذي ما فتئت إيران تغدق عليه من أموالها وتدعمه برجالها حتى وصل إلى قرانا وحتى أريافنا في تونس وبدأت ظاهرة التشيع لبعض البسطاء تشغلنا لحد كبير…

طيلة الحقبة الماضية (1990-2010) من تطور وسائل الإعلام وبعد مشاهدتنا لتقارير عن ارتداء غطاء الرأس لكل نساء إيران بتلك الطريقة المُذِلة، ثم الإعدامات والمشانق العلنية لبعض رجال السّنة على الأراضي الإيرانية، وهكذا حال كل صوت معارض للنظام فيما يتعلق بالحريات الأساسية والإعلام وكل أنواع الإبداع الفكري والفني كل ذلك جعلنا نطرح ألف سؤال هذه المرة عن “الثورة الإسلامية” في إيران…

ومع مجيء ثورة الربيع العربي وبقاء إيران في خانة المتفرج على اقتلاع رؤوس الاستبداد في تونس ومصر واليمن، بدأ الامتحان الصعب لهذه الثورة ورجال الثورة فيما يتعلق بحريات الشعوب وإرادتها، ثم وبمجرد أن تحرك الشعب السوري في وجه الحليف الاستراتيجي لرجال طهران (بشار الأسد) حتى جهر النظام الإيراني بشقيه المحافظ والإصلاحي عن حقيقة موقفهم من ثورات الربيع العربي.

واليوم قاربت الثورة في إيران أن تلفظ الأربعين سنة من سُنَّة تقدمها وشيخوختها، والتي كانت كافية لتعري ذلك الجيل من رجال الثورة وعمائم الثورة، إذ بمجرد أن أصبح نظام طهران يغدق كل تلك المليارات من الدولارات لخدمة مصالحه الإقليمية والدولية على حساب تفقير الشعب وتجويعه، وعندما شاهدت بأمّ عيني كل تلك الدولارات التي تُغدق وتُصرف بكل سخاء لخدمة “نظام الثورة” في بلدان أوروبية عرفت أن الشعب الإيراني أحوج لتلك الأموال من بعض وسائل الضغط الإعلامية والحقوقية التي يستخدمها “رجال الثورة” لخدمة مصالحهم.

واليوم بمشاهدة تلك الاحتجاجات في مدن إيرانية مختلفة لتطالب بالحق في المعيشة والشغل ترجع بي الذاكرة إلى تلك الدولارات التي مرت أمام عيني لتصرف في خدمة “صورة الثورة” والتي هي بعيدة كل البعد عن حقيقة دامغة ألا وهي حقيقة صوت البطن عندما يقرقر…فثورة البطون عندما تجوع لها صدى وغضب أقوى وأشد من صدى صوت الإمام عندما يطالب بولاية الفقيه.

المهدي بن حميدة
لوزان في 2 جانفي 2018

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات