fbpx

من سلطة الدولة إلى سلطة التنظيم (1\4)

  • المهدي بن حميدة الكاتب: المهدي بن حميدة
  • السبت 2 جمادى الأولى 1441 الموافق لـ 28 ديسمبر 2019
  • 0
  • 704 مشاهدة

مقاربة بين تجربتي بورقيبة والغنوشي

يتعرض هذا المقال إلى طرح قضية “السلطة” كوسيلة استعملها كل من الحبيب بورقيبة وراشد الغنوشي لتحقيق أهداف الدولة بالنسبة للأول وأهداف الحركة الإسلامية بالنسبة للثاني، فبورقيبة قضى بالحزب (الحزب الاشتراكي الدستوري) على كل نفس حر داخل المجتمع والمنتظم السياسي التونسي واحتكر الدولة لحزبه على مدى 3 عقود، والغنوشي بـ”التنظيم” (حركة الاتجاه الإسلامي ثم النهضة) قضى على كل إبداع وتطور (فكري وتخصصي) داخل الجماعة ثم الحركة الإسلامية واحتكر بالتالي لنفسه كل السلط داخل الحزب (حركة النهضة).

تقديم

جاء في تعريف السلطة، أنها الاستخدام الشرعي للقوة بطريقة مقبولة اجتماعيًا، وهي القوة الشرعية التي يمارسها شخص أو مجموعة على الآخرين، وهي (السلطة) مرتبطة أساسا بقضية “الشرعية”، ويعد عنصر الشرعية عنصرًا هامًا لفكرة السلطة وهو الوسيلة الأساسية التي تتمايز بها السلطة عن مفاهيم القوة الأخرى الأكثر عمومية.

فالسلطة الفلسطينية مثلا هي سلطة شرعية بالنسبة للمجتمع الدولي وهي سلطة “غير شرعية” بالنسبة للكيان الصهيوني ومختلف فصائله الدينية واليمينية المتطرفة داخل المجتمع اليهودي، و”حركة حماس” هي سلطة\مقاومة شرعية في نظر الأحرار ومناصري الحرية وحقوق الشعوب في تحقيق مصائرها، وهي (حماس) “جماعة إرهابية” من منظور الشق المخالف لها (فكريا) والمهادن لـ”المجتمع الدولي” وعلى رأسهم الكيان الصهيوني.

فضمن هذين الخطين (السلطة – الشرعية) عمل كل من بورقيبة والغنوشي على تقليص دور الدولة والحركة الإسلامية -في بعديهما النظري على الأقل- إلى ممارسة النفوذ والطموح الشخصي على حساب المُثل والمبادئ العليا التي أقام عليها كل من الرجلين مشروعهما السياسي.

استعمال السلطة في دولة بورقيبة

لقد استغل بورقيبة شرعية “الاستقلال”، واستعمل داخليا (داخل منظومة السلطة) سلطته كزعيم للحزب الاشتراكي الدستوري من أجل تثبيت حكم الجمهورية التي أسسها على أنقاض حكم الباي سنة 1957، وخلال هذا التمشي وقبله واجه بورقيبة صعوبات وطنية وداخلية (داخل الحزب) هامة تمثلت في اختلافه مع عديد الروافد والتيارات والزعامات النافذة والفاعلة في الحركة الوطنية والحركة السياسية والنقابية والثقافية للنخبة والمجتمع التونسي على امتداد عشريتي الكفاح ضد المستعمر الفرنسي (1934-1955) ثم على امتداد حقبة الحكم البورقيبي (1956-1987).

فكانت المواجهة في بداية الأمر مع الزعيم عبد العزيز الثعالبي الذي استعمل بورقيبة معه أسلوب الاعتراف والاحتواء (باستقباله استقبالا شعبيا عند عودته من المنفى سنة 1937) ثم أسلوب لي الذراع والتهميش وذلك ببث الدسائس والفتن عبر المليشيات التي زرعها بورقيبة في الأحياء والشُّعب المحلية لفرض خياره التنظيمي والسياسي الذي توخاه (الحزب الحر الدستوري الجديد) منذ مؤتمر قصر هلال سنة 1934، والتجاهل والتهميش عندما لم يتفاعل معه ومع جلسات التحقيق والصلح بين الحزبين القديم والجديد التي وافق الحزبان على التمشي فيها، إلى أن انتهى به المطاف إلى الاعتزال في بيته إلى أن توفاه الأجل سنة 1944.

ثم مع الزيتونيين المتمثلة في صوت الطالب الزيتوني كرافد ثقافي وهوياتي للحركة الوطنية التي كانت متشبعة بامتلاءاتها الدينية والعربية والإسلامية على أيدي طلبة الزيتونة وعلمائها ومشائخها. كما واجه بورقيبة معارضة سياسية من داخل الحزب الحر الدستوري نفسه وذلك على يد زعيمها صالح بن يوسف الذي كان يمكن أن يمثل خطا (حزبا) ثانيا داخل الدولة الحديثة التي يمكن لها ان تكون تعددية وديمقراطية ولكن ذلك للأسف لم يحدث والتجأ بورقيبة إلى أقذر الأساليب مع رفيق دربه وزميله في الكفاح وهو التصفية الجسدية للزعيم صالح بن يوسف في 12 أوت 1961 في ألمانيا.

وبعد بناء الدولة الحديثة، ظل بورقيبة يهيمن بحزبه وشخصه على الحياة السياسية والحزبية للبلاد مستعملا أدوات الدولة من الأمن والبوليس ومليشيا الحزب الحاكم، فأغلق جامع الزيتونة سنة 1960 وكأهم رافد من روافد الإسلام واللغة العربية والامتداد الحضاري والإسلامي لتونس ولشمال إفريقيا عموما، ثم قمع الحركة الطلابية اليسارية (حركة آفاق التي تكونت سنة 1963) سنة 1968 ثم سنة 1974 و1975، ثم قمع الحركة النقابية وظهر ذلك بشكل قطعي في أحداث 26 جانفي 1978 وفقد بورقيبة بذلك أقوى حليف له منذ حقبة الحركة الوطنية وهو الاتحاد العام التونسي للشغل.

ثم سنة 1981 وعلى إثر الانفتاح والتعددية الحزبية التي دعا إليها النظام بعد أحداث قفصة سنة 1980، انتقلت “الجماعة الإسلامية” بزعامة راشد الغنوشي من مرحلة الدعوة إلى مرحلة التشكل الحزبي خلال ندوة صحفية عقدت في 6 جوان 1981، ولم يتوانى بورقيبة في قمع هذا الجسم الإسلامي الجديد بالاعتقالات التي لحقته في شهر جويلية من نفس السنة، ثم أعاد النظام هجوما جديدا على الحركة (حركة الاتجاه الإسلامي) في مارس 1987 مما أدى بالوزير الأول زين العابدين بن علي إلى الانقلاب على بورقيبة وعزله في 7 نوفمبر 1987.

وظل بورقيبة يأخذ كل تلك الطموحات والكفاءات السياسية والفكرية والنقابية كطموحات شخصية تهدد حكمه وتهدد من خلاله الدولة حسب وهمه، واعتبر عبد العزيز الثعالبي وصالح بن يوسف وأحمد بن صالح والحبيب عاشور ومحمد مزالي وراشد الغنوشي، كلهم كان يعتبرهم بورقيبة يهددون شخصه وسلطته وحكمه لذلك تصدى لهم بأبشع أنواع القمع والتنكيل فحرم البلاد من الاستفادة من طاقات أبنائها فكريا وسياسيا ونقابيا وقضى بذلك على نفسه وحكمه، فكان انقلاب بن علي عليه من جراء تضخم هاجس الخوف من معارضيه لديه، فقضى بورقيبة نحبه في بئر النرجسية التي تكونت لديه من خلال النظر لنفسه وشخصه في مرآة السلطة بعيدا عن عقلية الاستفادة من طاقات أبناء الوطن الواحد.

المهدي بن حميدة
في 28 ديسمبر 2019

الجزء الثاني: الحركة الإسلامية وسلطة التنظيم عند الغنوشي

المهدي بن حميدة

المهدي بن حميدة

العمر 55 سنة - متزوج وأب لثلاثة أطفال (بنتان وولد) - مقيم بسويسرا منذ 9 ماي 1992.
كاتب ومتابع للشأن السياسي والعربي والإسلامي - مدير شركة خاصة في الطباعة والتصميم والتوزيع.

أظهر كل المقالات